في هذه الذكرى العطرة، في اليوم التاريخي المشهود، من أيام الإمارات العظيمة، والقريبة من القلوب المحبة المخلصة، تتقد الذاكرة، بفخر واعتزاز وإكبار، بكل لحظة مرت منذ تم توحيد قواتنا المسلحة، الدرع الحامي والسياج المنيع للوطن، في السادس من مايو عام 1976، حيث وقف القائد المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يؤازره ويؤيده ويدعمه إخوانه القادة المؤسسون، لإعلان توحيد القوات المسلحة الإماراتية، تحت علم واحد وشعار واحد وقيادة واحدة، لتكون الدرع الحامي المنيع لسيادة الوطن وأمنه واستقراره، والدفاع المخلص عن مكتسباته وإنجازاته.

تلك اللحظة التاريخية، تركت آثاراً عظيمة في جميع النفوس الإماراتية، وحينها قررت تحديد طريقي في الحياة، وبدأت أحلم، وتحقق الحلم، حين تمكنت في السابع عشر من سبتمبر 1980 من الانضمام إلى جنود الوطن وارتديت لأول مرة الزيّ العسكري، ومن الصعب على أحد ما، لم يرتد الزي العسكري في حياته، أن يدرك ذلك الشعور الذي يتوهج في النفس البشرية، وهي تتحول من شخص عادي، إلى جندي مكلف لحماية ثغرة من ثغور الوطن، وكيف يتحول من شخص يرتدي زياً عادياً، إلى شخص يتشرف بارتداء زي الفخر والعز والرجولة والوطنية، ويصبح جزءاً من درع وطنه المنيع، مكلفاً بحمايته والذود عنه، بالروح وكل ما هو ثمين.

القوات المسلحة الإماراتية، بقيادتها وإدارتها ووحداتها وأقسامها وجنودها جميعاً، ليست مثل باقي الأجهزة العسكرية حول العالم، ويعلم ذلك كل من خدم في صفوفها، فهي جامعة علمية احترافية تضاهي أرقى جامعات العالم، يبدأ العلم والتعلم منذ اليوم الأول، ليس الإعداد العسكري فحسب، بل عدد كبير من الدورات والمشاركات في موضوعات متخصصة مهنية، تضيف ثقافة متميزة ومهارة عالية تطبيقية لجميع طلابها، ترفع الحس الإنساني والوطني، إلى أعلى درجاته، وتتوسع المعرفة وتمتد، ويزداد الفخر يوماً بعد يوم، حين تصبح تلك الثقافة والمعرفة والمهارة، أسلوب حياة ووساماً رفيعاً نحمله في قلوبنا قبل صدورنا، ومسؤولية نشعر بعظمتها في نفوسنا قبل أن نحملها على أكتافنا عن طيب نفس، ووطنية بلا حدود تفتدي الوطن الغالي العزيز.

في عام 1981، كنّا ندرس في معهد اللغات بإحدى القواعد الأميركية في ولاية تكساس، وتم إبلاغنا بأن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قادم لمناقشة شراء طائرة الـ F-16، وطلب سموه كعادته، الاجتماع مع كل الطلبة الإماراتيين العسكريين المتواجدين في القاعدة، وتبادل سموه الحديث مع الموجودين، واطمأن على أحوالنا، ثم توجه إلى واشنطن للاجتماع مع وزارة الدفاع والمسؤولين، وبعدها بأيام قليلة، أذيع بأن دولة الإمارات توقع عقداً لشراء طائرات الميراج 2000 من فرنسا، وشعرنا بذلك بقوة حينها، ونحن في أميركا، كيف ولماذا توحدت القوات المسلحة الإماراتية، وحجم الأهداف العظيمة المستندة إلى الرؤية الحكيمة في جعلها واحدة من أهم القوى العسكرية في المنطقة، بالعزم والحزم والإصرار والمثابرة، والروح القتالية المثقفة الواعية، التي تضع الوطن في عيونها ومصلحته فوق أي مصلحة أخرى كانت.

أحياناً كان يسألني البعض عن سرّ وسبب التحاقي بالقوات المسلحة الإماراتية، ومن بين أسباب كثيرة، لا يتسع المجال لسردها، أجيب عن تأثير توحيد القوات المسلحة على معظم الشباب الإماراتي آنذاك، ومنها التأثير على شخصيتي حين كنت طالباً في جامعة العين، ورأيت الإعلان عن الانضمام للقوات المسلحة، وأنها تضم القوات الجوية، فأثار ذلك رغبتي الجامحة وتقدمت بلا تردد، ودون علم الأهل، وسجلت في طلبي أنني أريد أن أكون طياراً مقاتلاً.

حديث الذكريات لا يتفوق على سجل التضحيات العظيمة التي قدمتها القوات المسلحة الإماراتية، داخلياً وخارجياً، تضحيات مطرزة بأحرف من نور، لكن هذا الحديث يُؤرشف للخطوات الثابتة ومراحل التطور والإنجازات التي لا تتوقف ولا تعرف الحدود، لكوكبة رجالنا البواسل جميعاً في القوات المسلحة، في كل ثغرة، وعلى كل صعيد وتحت راية قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة الرشيدة.

* لواء ركن طيار متقاعد