برحيل المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، فقدت الإمارات العربية المتحدة والأمتان العربية والإسلامية قائداً مخلصاً وزعيماً كبيراً قدم لوطنه وأبناء شعبه وأمته إنجازات كبرى ترسخ لقيم إنسانية نبيلة، وتعزز الترابط والتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين الدول العربية والإسلامية، وتشجع التسامح والتعايش بين شعوب الإنسانية جمعاء. وشهدت علاقات الإمارات الخارجية نمواً وتطوراً نوعياً في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، على الصعيد العربي والآسيوي والأوروبي، وشهدت علاقات الإمارات تطوراً ملحوظاً مع بلدان آسيا الوسطى، وذلك كله في إطار سياسة خارجية نشطة، تعزز مكانة دولة الإمارات ودورها  الإيجابي، إقليمياً وعالمياً. 
تبنى المغفور له الشيخ خليفة موقفاً داعماً للتعاون بين دول العالم. وكانت لديه رؤية ثابتة تجاه أهمية التعاون بين دول الخليج العربية، وفي هذا الإطار صرّح في 17 يوليو عام 1976 بأن «التعاون بين دول العالم وخاصة في المجالات الاقتصادية سمة من سمات العصر الذي نعيشه الآن، ونحن نتطلع ونسعى إلى إنجاح كل الجهود والخطوات التي تبذل في هذا الصدد، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي كتوحيد النقد، وإنشاء السوق الخليجية والتنسيق بين صناديق التنمية، وتعزيز مختلف وسائل النقل بين دول المنطقة لتسهيل ربط بعضها ببعض».
 وقبل تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يسجل التاريخ أن الإمارات استضافت في شهري أكتوبر ونوفمبر عام 1983 أولى المناورات الخليجية المشتركة، التي أطلق عليها آنذاك اسم «مناورات درع الجزيرة»، ووصفها المغفور له الشيخ خليفة بـ«الإنجاز الرائع الذي تحقق به ميلاد قوة التحرك السريع لدول الخليج العربية». 

تطوير السياسة النفطية 
وانطلاقاً من ترؤسه المجلس الأعلى للبترول، كان للمغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان دور كبير في إعادة صياغة السياسة النفطية وتطوير العلاقة بين دولة الإمارات وشركات النفط العالمية لتصبح أكثر إنصافاً. 
  وكان المغفور له الشيخ خليفة بن زايد داعماً للعمل العربي المشترك من خلال جامعة الدول العربية، ومدركاً لأهمية تعزيز علاقاتنا الثنائية مع كل الدول العربية. وعندما مر العراق باضطرابات وتوترات أكد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وعبّر عن عميق الألم والقلق من تدهور الأوضاع الأمنية، واستمرار التفجيرات وأعمال العنف والإرهاب والخطف والقتل التي تستهدف الأبرياء. 

مبادرات رائدة
ومن يتابع سياسة المغفور له الخارجية يدرك الطابع الإنساني الكبير الذي طغى عليها، والتي من خلالها رسخ الشيخ خليفة حضور الإمارات الإنساني في جميع أرجاء العالم. ففي عام 2007 دشن «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»، من أجل إطلاق «مبادرات رائدة»، إقليمياً وعالمياً في مجالات عدّة كالصحة، حيث تكفلت بمصاريف علاج الكثيرين، والمجال التعليمي عبر تكفّل رسوم الطلّاب ودعم مشاريع التعليم المهني في المنطقة. وتتضمن استراتيجيتها التعليمية دعم مشاريع التعليم المهني في دول المنطقة، كما تشمل الاحتياجات الصحية المتعلقة بسوء التغذية وحماية الأطفال ورعايتهم، إضافة إلى توفير المياه الآمنة عالمياً.

جهد إغاثي 
انتهج المغفور له الشيخ خليفة سياسات إغاثية وإنمائية تدعم الدول والشعوب المحتاجة. بالإضافة إلى المساعدات الحكومية لدولة الإمارات، حيث تعتبر مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ثالث أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في الدولة بمساعدات تصل لأكثر من 70 دولة في مختلف أنحاء العالم. 
وطوال عهد المغفور له الشيخ خليفة، بادرت الإمارات بمد يد العون للدول المنكوبة، والتي تعرضت لحالات للطوارئ والأزمات الإنسانية، من أجل إنقاذ المتضررين أينما كانوا، حيث تم تقديم المعونات الإغاثية بعد كارثة تسونامي في المحيط الهندي عام 2004، وزلزال عام 2005 الذي دمر جزءاً كبيراً من شمال باكستان، والمناطق المجاورة في الهند. 

«مؤسسة خليفة الإنسانية»
ومن أهم الإنجازات الخارجية لـ«مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»: بناء سلسلة مستشفيات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في المغرب، ولبنان، وسوقطرى، وجزر القمر، وكازاخستان وباكستان، وكذلك المساجد في القدس، وكازاخستان، والصين.
 وإعادة بناء جسر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على نهر سوات في باكستان، والذي دمر بفعل الفيضانات. يعتبر الجسر معبراً حيوياً لسكان المنطقة بطول يبلغ 448 متراً، وعرض 7. 10 متر، وارتفاع سبعة أمتار. تبلغ السعة الاستيعابية للجسر أكثر من أربعة آلاف مركبة يومياً، ويخدم ما يقارب مليوني نسمة. واستثمار 550 مليون درهم في مبنى الشيخ زايد لأبحاث أمراض السرطان في هيوستون، بولاية تكساس الأميركية. ويضم المبنى الذي يتكون من 12 طابقاً معهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان للعلاج التخصصي التشخيصي لأمراض السرطان، كذلك مركز أحمد بن زايد آل نهيان لعلاج أمراض سرطان البنكرياس، الذي يهدف إلى دفع عجلة الاكتشافات التي تؤثر تأثيراً كبيراً في علاج سرطان البنكرياس. ومنذ 20 سبتمبر عام 2006 قدم المغفور له الشيخ خليفة مساعدات للبنان في مجالات متعددة، للتخفيف من تداعيات التوتر السياسي والأزمات المتلاحقة التي تعرض لها الشعب اللبناني، وتضمنت الجهود بناء المدارس وتقديم مساعدات للسكان وإزالة الألغام.  المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان قدم يد العون والمساعدة العاجلة للجمهورية اللبنانية. 

مكافحة شلل الأطفال في باكستان
ومنذ عام 2014 أطلق المغفور له الشيخ خليفة مبادرة لتطعيم ملايين الأطفال الباكستانيين، حيث تم إعطاء اللقاحات ضد شلل الأطفال في 66 منطقة من المناطق ذات الخطورة العالية في إقليم بلوشستان، وإقليم خيبر بختونخوا، وإقليم المناطق القبلية فتح، وإقليم السند بجمهورية باكستان الإسلامية، وذلك من أجل دعم المبادرة العالمية التي أقرتها الجمعية العامة للصحة العالمية لاستئصال شلل الأطفال بنهاية عام 2018.
ومن خلال حملة الإمارات ضد شلل الأطفال، قدمت الدولة نحو 116.177.794 مليون لقاح لأطفال باكستان ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات، وذلك من يناير 2014 وحتى نهاية مايو 2016.
وخلال عهده تواصلت جهوده الإنسانية، ففي ديسمبر 2016، أعلن المغفور له الشيخ خليفة 2017 عاماً للخير. وبموجب هذه المبادرة أطلقت الحكومة الاتحادية في دولة الإمارات، والحكومات المحلية، فضلاً عن القطاع الخاص والمؤسسات المدنية مئات من المبادرات الإنسانية، التي تخدم قضايا خيرية داخل الإمارات وخارجها، كما ساهم الأفراد بالتبرعات وساعات العمل التطوعي لخدمة قضايا مجتمعية وإنسانية.

الريادة في المساعدات
وأدى حرص المغفور له الشيخ خليفة بن زايد على دور الإمارات الإنساني، واستمراره ودعمه، في جميع أرجاء العالم دون أية اعتبارات عرقية أو دينية أو جهوية، إلى وصول المساعدات الخارجية الإماراتية مرحلة الريادة العالمية، فالدولة تبوأت المرتبة الأولى عالمياً في الأعوام، 2013-2014-2016-2017 كأكبر دولة مانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية، مقارنة بالدخل القومي الإجمالي محققة قفزة تاريخية في مجال منح المساعدات الخارجية، الأمر الذي صعد بها من المركز الـ19 في عام 2012 إلى المركز الأول في عام 2013. ولا تزال الدولة تحافظ على ترتيبها من ضمن أكبر الدول المانحة في العالم، مقارنة بالدخل القومي الإجمالي. 

مسيرة الثوابت والعطاء
مسيرة مكتنزة بالبعد الإنساني والتعاون على الساحة الخارجية، رحل المغفور له الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله، مؤكداً ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية، المرتكزة دوماً على  الاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وإقامة العلاقات على أساس المصالح المتبادلة، وتنمية روح التعاون، وحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية، والالتزام بالمواثيق العربية والإسلامية والدولية، والوقوف إلى جانب الحق والعدل، والمشاركة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.