لن نبتعد كثيراً عن مسيرة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، إذا قلنا إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، كان ظلاً للوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعضيداً للشيخ خليفة منفذاً لتوجيهاته في كل المجالات المحلية والاتحادية. لقد وضع مصلحةَ الدولة بين عينيه، واحتياجات المواطنين بين حنايا صدره وفي شغاف قلبه، وعندما داهمت جائحة «كوفيد-19» العالَم، صدح بمقولته الشهيرة: «لا تشلون هم»، لأنه كان على يقين من سلامة خططه وتوجهاته، وها نحن اليوم نجني ثمار تلك الخطط والتوجهات الرشيدة.
وأثناء مداهمة «الربيع العربي» بعضَ الدول العربية، أدرك سموُّه ببصيرة العقل أن ربيعاً خادعاً اخترق جدار أمن ديار العرب، فوقف أمامه وقفةَ الجبال الراسيات في وجه الرياح العاتية. 
وفي اليمن، كانت هناك ملحمة تروى للتاريخ، فقد شكَّل سموه من الإمارات والسعودية (الشقيقة الكبرى لدول الخليج) رأسَ حربةِ حقٍّ للدفاع عن الشرعية اليمنية ضد العبث «الحوثي» الرامي لبعثرة أحرف الحكمة اليمانية.
وكانت «عاصفة الحزم» طريقاً للتعمير الممنهج بعد تدمير «الحوثي» للوطن اليمني، وكان من إنجازاتها إعادة تنظيم جهاز الشرطة وتأسيس جيش يقارب تعداده مائة ألف جندي، لضمان حماية اليمن من الداخل والخارج، ولمنع المتمردين من استئصال شأفة أصل العرب.
ومع مصر، أدرك سموه بأن مِن بعدها لن تكون للعرب قائمة، فهي مجس الاختبار في استقرار العالم العربي ومن ورائه العالم الإسلامي. فلما احتاجت خزينة مصر، بعدما اجتاح «الربيع الأحمر» بيضتها، كان لسموه تحرك حاسم من أجل تثبيت الوضع المالي والاقتصادي لمصر. وعندما قام الرئيس السيسي بزيارة الدولة لأول مرة، أشعره بأنه ليس في بلده الثاني فحسب، بل بأنه لم يغادر وطنه أصلاً. 
والآن نأتي إلى ذلك «التابو السياسي والديني» متمثلاً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين. لقد تصرف سموه إزاء هذا الملف المعلق والشائك منذ أكثر من سبعة عقود، حيث ظل كل شيء يدور حول نفسه، دون أن يسجل العرب نقطة تقدم واحدة لصالح القضية الفلسطينية، بل الأشد والأنكى أن أهل الشأن أنفسهم انقسموا شقين، أحدهما في غزة وثانيهما في الضفة، وأصبح بينهما برزخ لا يلتقيان. لذا فقد انتهج سموه مساراً مختلفاً مع إسرائيل، وهو سياسة قوة الاقتراب من الآخر بدل الاختباء خلفه، لأن القرب منه يعطي فرصة أكبر لمعرفته ومن ثم لدقة التعامل معه. وإلى ذلك، فنحن المسلمين محكومون بـ«عسى» الواردة في كتاب الله العزيز: «عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم»، وعسى عند الله تحقيق وليست تعليقاً. وعلى ضوء هذا كانت مبادرة السلام والانفتاح والتسامح مع كل شعوب العالَم بلا حواجز.
يا صاحب السمو، ها نحن نصافح قلبَكَ قبل كفك، كما صافحنا من قبل قلبَ الوالد الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في العام الدراسي 1976-1977، وكنا طلبةَ الدفعة الأولى بجامعة الإمارات في العين.

كاتب إماراتي