عاد السياسي السريلانكي المخضرم رانيل فيكراما سينغيه كرئيس للوزراء بعد أن اجتاحت البلاد احتجاجات عنيفة أفضت إلى استقالة سلفه ماهيندا راجاباكسا. لكن السؤال الذي يطرح هو ما إن كان فيكراما سينغيه، الذي كان رئيساً للوزراء خمس مرات من قبل سيستطيع المساعدة على درء الغضب العام وإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية العميقة، التي تُعد الأسوأ منذ أن نال هذا البلد استقلاله من الحكم البريطاني في عام 1948. 
الواقع أنه ما زالت هناك أسئلة حول ما إن كان سينغيه، الذي أدى اليمين الدستوريةَ الأسبوع الماضي، سيستطيع تشكيل حكومة تشارك فيها أحزابُ المعارضة. ذلك أن أعضاء «حزب قوة الشعوب المتحدة»، الذي يُعد أكبر تكتل في البرلمان، لم يكونوا حريصين على الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية، وما فتئوا يدفعون في اتجاه استقالة الرئيس غوتوبايا راجاباكسا. وبالمثل، أعلن «تحالف التاميل الوطني» أن إدارة راجاباكسا «فقدت الشرعيةَ»، بينما تشدد «جبهة التحرير الشعبي» اليسارية على ضرورة إجراء انتخابات وطنية. 
والمشكلة بالنسبة لسينغيه هي أنه عضو البرلمان الوحيد من حزبه، «الحزب الوطني المتحد»، ونتيجة لذلك فسيكون مضطراً للاعتماد على أحزاب أخرى. وفي هذا الإطار تعهد حزب راجاباكسا، «الجبهة الشعبية السيريلانكية»، بدعم سينغيه. ولئن كان حزب المعارضة الرئيسي قد استبعد دعم سينغيه، فإن عدداً من الأحزاب الصغيرة قررت دعم سياسات رئيس الوزراء الجديد من أجل إعادة الاستقرار للاقتصاد. وكان يُعتقد أن استقالة ماهيندا راجاباكسا، شقيق الرئيس غوتابايا راجاباكسا، وتنصيب سينغيه، سيجلبان بعض الاستقرار السياسي إلى سريلانكا في ظرف تمر خلاله بأزمة اقتصادية طاحنة. 
ويُعد الاستقرار السياسي في هذا البلد الواقع جنوب آسيا بالغَ الأهميةِ في وقت يجتاز فيه أوضاعاً داخليةَ شديدة التعقيد. وأسباب الأزمة الاقتصادية متعددة وبدأت في التراكم منذ بضع سنوات. فقد أدت سنتان من جائحة «كوفيد- 19» إلى فقدان عائدات قطاع السياحة الجالب للعملة الأجنبية، كما أدتَا إلى وقوع البلاد في أزمة كبيرة. ومن العوامل الأخرى أيضاً خفض الضرائب الذي ساهم في نفاد احتياطيات الحكومة المالية، والدَّين الخارجي مع تزايد القروض من الصين، وانخفاض التحويلات الأجنبية بسبب توقف السياحة. وفضلاً عن ذلك، فإن السياسة الزراعية الخاطئة التي انتهجها الرئيس غوتابايا، لاسيما حين قرر بين عشية وضحاها تحويل الزراعة السريلانكية إلى زراعة عضوية وفرض حظرَ الأسمدة الكيماوية، أثّرت تأثيراً مباشراً على أمن البلاد الغذائي. إذ أثّر حظر الأسمدة على الإنتاجية، فرأى المزارعون مداخيلهم تنهار جرّاء انخفاض حجم محاصيلهم بشكل دراماتيكي، ما أدى إلى خسائر في الوظائف ونقص في الغذاء. كما انهارت القطاعات التصديرية الرئيسية مثل الشاي والمطاط نتيجة لذلك القرار. 
وعلاوة على ذلك، ساهمت حرب أوكرانيا في انتشار التضخم عبر العالم وتسببت في ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، مما فاقم مشاكل البلاد. وكان التأثير أقوى بشكل خاص على الناس العاديين الذين أصبحوا فجأةً يعانون من نقص في كل شيء؛ من الوقود إلى المواد الأساسية للاحتياجات اليومية. كل هذا أدى إلى نقص العملة الأجنبية، ما يعني أنه لم يعد هناك مال لاستيراد المواد الأساسية، مما أدى بدوره إلى ارتفاع الأسعار. كما شهدت البلاد انقطاعات طويلة للكهرباء تصل 13 ساعة يومياً، فيما قلّصت البلاد قيمة عملتها بشكل مطرد على خلفية المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي حول برنامج قروض جديد. 

المعاناة والظروف الصعبة التي يعيشها الناس أدت إلى مظاهرات تحولت إلى احتجاجات عنيفة في وقت ارتفعت فيه أسعار الغذاء وازدادت فيه انقطاعات الكهرباء. وهناك الآن ديون مستحقة على سيرلانكا بنحو 7 مليارات دولار حان موعد سدادها هذا العام. كل هذه الصعوبات أدت إلى شهر من الاحتجاجات السلمية في معظمها، لكنها أصبحت عنيفةً الأسبوع الماضي في العاصمة التجارية كولومبو، حيث قُتل تسعة أشخاص وجُرح أكثر من 300 آخرين، مما أظهر حدوث تحولات عميقة.
الأزمة في سريلانكا كانت أشد على الأخوين راجاباكسا، ذلك أنهما كانا قد أصبحا قويين للغاية مع وصول غوتابايا راجاباكسا إلى الرئاسة مستخدِماً ورقتي القومية السنهالية البوذية والأمن القومي. وكان قد عيّن شقيقَه رئيساً للوزراء ومنح أفراداً آخرين من محيطه مناصبَ حكومية مرموقة. وإذا كان الرئيس غوتابايا قد رفض الاستقالةَ حتى الآن، فمن الواضح أنه يوجد في مفترق طرق صعب للغاية. ولعل الشيء الإيجابي الوحيد هو أن رئيس الوزراء المعين حديثاً يتمتع بتجربة واسعة وهو قادر على التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ومع مؤسسات غربية أخرى، لإخراج سيرلانكا من الأزمة. 
وفي الوقت الراهن، ليس هناك أي مؤشر على أن الاحتجاجات ستخفت بالنظر إلى أن الرئيس لم يرفض الاستقالة فحسب وإنما راح يعيّن حكومةً جديدةً وأبقى على أربع وزراء من الحكومة السابقة. ومكمن الخطر هو أنه طالما أن الرئيس غوتابايا هو مَن يقرر، فإن رئيس الوزراء الجديد سيجد صعوبةً في اكتساب أي شرعية سياسية. وفي الأثناء، ما زال المحتجون المناوئون للحكومة متمسكين باحتجاجاتهم حتى الآن، ومع نقص المواد الأساسية والوقود، قد يتواصل الغضب الشعبي ويزداد. وبذلك تكون سريلانكا أشبه بمن يجلس على برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة، في وقت يبدو فيه الحل عصياً ومعقداً في اللحظة الحالية على الأقل. 

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي