صاحب قراءتي لخبر اجتياز مشروع قانون (نوبك NOPEC) والصادر عن اللجنة القضائية في الكونجرس مرحلته الأولى، واستماعي لأغنية «أحسن ناس» للراحلة العظيمة داليدا أثناء مشوار بالسيارة مع صديق. ولنفاذه (أي القانون)، فهو يحتاج للمصادقة عليه من مجلسي النواب والشيوخ (أي الكونجرس)، ومن ثم اعتماده من قبل الرئيس بايدن ليدخل حيز النفاذ. و«نوبك» اختصار (لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط)، وهي ليست المحاولة الأولى من قبل مُشرعين أميركان توظيف شيطنة «عرب النفط» من خلال «النفط»، أو المطالبة بتفكيك منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك OPEC». ودوافعهم اليوم لا تختلف عن دوافع الأمس في شيء، وأولها خدمة أجندات انتخابية خاصة، وشخصية البدوي التي لطالما دأب الإعلام الغربي على توظيفها سياسياً لا زالت قابلة للتوظيف السياسي والإعلامي.

السيكولوجية الأميركية باتت استهلاكية الدوافع حتى السياسي منها، وهي غير متصلة بواقع كون الولايات المتحدة الأميركية النموذج الأعظم الذي عرفته البشرية اقتصادياً واجتماعياً. وبقدر ما هو مؤلم مآل أحفاد الأباء المؤسسين للجمهورية منذ الإعلان عن ميثاق الاستقلال، إلا أنها الصيرورة التاريخية.

وها نحن اليوم بعد فشل العهد الأميركي الجديد (العولمة) ووعود بنشر العدالة الاقتصادية والرخاء، والتي سرعان ما استعيض عنها بنشر الفوضى الخلاقة بغية إنتاج جغرافيا اجتماعية أكثر موائمة برؤية جديدة (أي جغرافيا شرق أوسطية قائمة على الحدود الطائفية لا الوطنية)، نجدنا اليوم أمام شكل جديد من أشكال التخبط الأميركي المبهم داخلياً والعبثي خارجياً، وكليهما قائم على (إنْ لم تكن معنا فأنت خصمنا) في استحضار سمج للدبلوماسية الأميركية آبان غزو العراق. لم يختلف موقف الكتلة «الجمهورية» عن «الديمقراطية» في ممارسة «البلطجة السياسية» تجاه (عربان النفط) (كما نُوصف إعلامياً، وإن لُطفت اللغة تناسباً والموقف منا)، وذلك لأنهم قادرون ونحن متسامحون مع منظومة التشريع الأميركية. وحتى عندما نوصف «حلفاء استراتيجيين» عند زيارة مشرعيهم ووزرائهم لعواصمنا، فهي أساساً لأخذ صور تخدم تعينهم في مراكز تكييف وصنع السياسيات الخارجية والداخلية بعد خروجهم من الخدمة الرسمية، أو في ترويج سيرهم الذاتية بعد التقاعد من الخدمة.

إلا أن تاريخ الإدارات «الديمقراطية» بعد عُهدة الرئيس كارتر، اتسم بارتفاع حدة الازدراء للشخصية الخليجية ورفضها القاطع للتعاطي بواقعية عقلانية مع ضرورات التحول في النهج السياسي تجاه دولنا، والتي لطالما كانت حليفاً وفياً للولايات المتحدة حتى بعدما انتهجت إدارة أوباما استراتيجية (تغير الأنظمة السياسية بالجملة Whole Sale Regime Change) من خلال أغبى نماذج السياسة الخارجية الأميركية (منذ الإطاحة بلسلفادور أليندي عام 1973)، والذي اتفق على تسميته «الربيع العربي» في 2011.

فخامة الرئيس بايدن، نود تأكيد أن لا ناقة لنا ولا جمل في الأزمة الأوكرانية، ولم يسبق أن سَجّلت دولُنا موقفاً غير أخلاقي من الأزمات الخارجية، في حين أن إدارتكم هي من رفع تنظيم «أنصار الله» الحوثي عن قائمة الإرهاب، وتقوم إدارتكم المبجلة بالتفاوض مع نظام إيران على رفع الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الإرهاب على وعسى أن تقبل طهران إعادة التوقيع على اتفاقية 2015 ضمن إطار اشتراطاتها هي، وذلك بعد أيماناتكم المُغلظة بعد دخولكم البيت الأبيض استحالة حدوث ذلك، أو كما يقول المصريون «على جثتي».

فخامة الرئيس بايدن، قبل زيارتكم المقبلة للشرق الأوسط، ننصح وزارة خارجيتكم بضرورة الاستماع لأغنية (أحسن ناس) للراحلة العظيمة داليدا، وخصوصاً المقطع التالي: نحب نتعرف، ورانا ايه، ورانا ايه. فخامة الرئيس، التعميد السياسي من خلال ازدراء الشخصية الخليجية لم يعد مقبولاً، وعلى دولنا منع دخول أي عضو من أعضاء مجلس النواب أو الشيوخ لدولنا ممن اجتهد تشريعاً في شيطنة دولنا أو تعريض مصالحها للخطر.

* كاتب بحريني