واجه مسؤولو القطاعات الصحية العالمية أثناء اجتماعهم في جنيف يوم الأحد الماضي لمناقشة الوباء، مشكلة فيروسية أخرى: رد فعل عنيف عبر الإنترنت يتهم منظمة الصحة العالمية زورا بالتآمر لانتزاع السلطة من الحكومات الوطنية. ومن المقرر أن تعقد جمعية الصحة العالمية، وهي هيئة صنع القرار في الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية البالغ عددها 194 دولة، أول حدث يحضره المجتمعون شخصياً بالكامل منذ عامين حيث تم رفع بعض القيود المتعلقة بفيروس كورونا. وفي حين أن الجمعية، التي تأسست قبل 75 عاماً، تُعتبر عادة حدثاً تكنوقراطياً جافاً، إلا أنها تم تأطيرها هذا العام من قبل أصحاب نظرية المؤامرة باعتبارها لحظة رئيسة في المعركة بين «الديمقراطية» و«الاستبداد»، على حد وصفهم.
تركز النظريات بشكل كبير على مناقشة «معاهدة الوباء» - وهي اتفاقية محتملة يمكن أن تنظم يوما ما كيفية استعداد البلدان للأوبئة في المستقبل والاستجابة لها. وعلى الرغم من أنه لن يتم الاتفاق على مثل هذه المعاهدة في الجمعية، إلا أن رد الفعل العنيف انتشر بسرعة إلى ما هو أبعد من عالم الصحة العالمية.

ومؤخرا، قالت الفرقة الموسيقية الانجليزية «رايت سايد فريد» على حسابها على تويتر: «ما يسمى بمعاهدة الوباء هي أكبر استيلاء عالمي على القوة شهده أي منا في حياتنا». ونشرت الفرقة مقالا كتبه عالم آثار اسكتلندي ومذيع تلفزيوني لصحيفة جي بي نيوز اليمينية.

إن معاهدة الوباء ليست وشيكة، على الرغم من أن الدول الأعضاء اتفقت في ديسمبر الماضي على الحاجة إلى إبرام اتفاقية جديدة، إلا أن الأمر سيستغرق سنوات من المفاوضات للتوصل إلى مسودة نهائية بحلول عام 2024. كما أن هذه المعاهدة لن تمنح منظمة الصحة العالمية صلاحيات شاملة جديدة، حيث لا يوجد لدى المنظمة جيش ولا سلطة للعقوبات وستظل بحاجة إلى الاعتماد على الدول الأعضاء للامتثال لقواعدها وفرضها. يعتقد بعض الخبراء الداعمين أنه من غير المرجح أن يحدث ذلك على الإطلاق، نظراً للانقسامات الجيوسياسية الهائلة بين الدول الرئيسة مثل الولايات المتحدة والصين.
ولكن تم نشر الفكرة من قبل شخصيات مختلفة. حذر «راسل براند»، الممثل الكوميدي البريطاني الذي كان معروفاً في السابق بآرائه اليسارية وأسلوب حياته المتعالي، من أن المفاوضات بشأن المعاهدة تعني أن الديمقراطية «ستنتهي»، وأن الناس في المستقبل سيقولون: «لقد سقطنا في أجندة تكنوقراطية رهيبة مؤيدة للعولمة».
في مقابلة مع المسؤول السابق في إدارة ترامب «ستيف بانون»، أكدت العضوة «الجمهورية» السابقة في الكونجرس، «ميشيل باخمان»، أن إدارة بايدن أدخلت تعديلات على قانون الصحة العالمي، والتي «اقترحت أن تتنازل جميع دول العالم عن سيادتها على قرارات الرعاية الصحية الوطنية الخاصة بها إلى منظمة الصحة العالمية».
وعلى الرغم من الانتقادات من مواقع التحقق من الحقائق مثل( Snopes)، فإن رد الفعل العنيف يحظى بدعم السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة. كتب السيناتور ماركو روبيو على تويتر يوم السبت: «يجب ألا نسمح أبدا (للرئيس جو) بايدن باستخدام (معاهدة لتحسين التأهب للجائحة) لمنح منظمة الصحة العالمية السيطرة على قرارات الصحة العامة الأميركية».

وقال تاكر كارلسون، مضيف فوكس نيوز، في برنامجه مؤخرا أن إدارة بايدن تتخلى عن «السلطة على كل جانب ». وأضاف: «تخيلوا أن انتهاكات الحريات المدنية التي عايشتوها خلال عمليات الإغلاق بسبب كوفيد ستكون دائمة وتُدار من دولة أجنبية..
يجادل الخبراء الذين يتابعون منظمة الصحة العالمية بأن النظريات بعيدة المنال لدرجة أنها تمثل عكساً للواقع. لا يوجد اتفاق محتمل بشأن الأوبئة مدرج على جدول أعمال جمعية هذا العام، ومن غير المتوقع أن تختتم المحادثات حتى عام 2024 على الأقل.
حتى إذا تم التوصل إلى نص معاهدة التأهب لمواجهة الأوبئة، فلا بد من توقيعها والتصديق عليها وتنفيذها من قبل الدول الأعضاء نفسها.
يقول «سويري مون»، المدير المشارك لمركز الصحة العالمية في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف: «هذا النوع من إثارة الخوف هو تذكير بمدى الاستقطاب الذي يمكن أن يكون عليه الجمهور بشأن قضايا التعاون الدولي. ولكن في نهاية المطاف، لا توجد طريقة يمكن لأي دولة أن تتعامل بها بمفردها مع الأوبئة».
ستشهد جمعية هذا الأسبوع، التي بدأت يوم الأحد الماضي، وتنتهي يوم السبت المقبل، اجتماع ممثلي الدول الأعضاء لمناقشة مواضيع مختلفة، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وحالات جدري القرود خارج القاعدة التقليدية لانتشار المرض.
لكن من المرجح أن يدور الكثير من النقاش حول كيفية التعامل مع نهاية جائحة الفيروس التاجي وكيفية الاستعداد بشكل أفضل للوباء التالي. في كلمته الافتتاحية، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن الوباء «قلب عالمنا رأساً على عقب».
وستتناول الاجتماعات أيضا بعض الإصلاحات. فقد صاغت الولايات المتحدة تعديلات على اللوائح الصحية الدولية، وهو إطار قانوني تم تحديثه آخر مرة في عام 2005 والذي يوضح بالتفصيل كيف ينبغي للبلدان أن تستجيب لأي طوارئ صحية عامة يمكن أن تعبر الحدود. تسعى التعديلات إلى تشديد متطلبات إرسال المعلومات حول حالة الطوارئ مثل هذه إلى منظمة الصحة العالمية، على الرغم من أنه من المتوقع الآن أن تتم معظم المفاوضات حول الإصلاحات في سنوات لاحقة.
ومن بين الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال أيضاً اتفاق يقضي بالزيادة التدريجية للمساهمات الإلزامية للدول الأعضاء في ميزانية منظمة الصحة العالمية، والتي يبلغ مجموعها حالياً أقل من صافي الإيرادات للعديد من المستشفيات الكبيرة في الولايات المتحدة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»