يبدأ المبدأ الثامن من مبادئ الخمسين التي وضعتها دولة الإمارات العربية المتحدة لنفسها بمصطلح فلسفي عميق لا يزال محل جدل واسع بين كبار فلاسفة العالم وهو «منظومة القيم».
ووفقاً للطريقة التي يتحدث بها المبدأ القيم هنا هي أمور جيدة وبطبيعتها من شأنها أن تعضد جوانب الحياة المختلفة وما يدور في هذا العالم من أحداث.
وهي أيضاً تتحدث عن ما تعتقده وتؤمن به دولة الإمارات بأنه أشياء حسنة وجيدة عليها أن تقوم بها على مدى الخمسين عاماً القادمة لكي تعزز بها مواقفها ووضعها في هذا العالم، وبالتحديد يقول المبدأ ذاته ما يلي: «منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح وحفظ الحقوق وترسيخ قيم العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات وترسيخ الأخوة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية.
وستبقى الدولة داعمة عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعمة للسلم والانفتاح والأخوة الإنسانية».
إن عناصر هذا المبدأ تشير إلى حوالي اثنى عشر موضوعاً حيوياً تهم الإنسانية جمعاء وتقوم الدولة بدعمها وتعزيزها عبر سياستيها الداخلية والخارجية.
ومع تفاقم الحرب في أوكرانيا هذه الأيام، فإن عالم ما بعد الحرب الباردة أحادي القطبية قد انتهى ونحن مقبلون على عالم جديد سيكون المستقبل فيه متحالفاً مع أولئك الذين يستطيعون بعزم وثبات إدارة ظهورهم للماضي ومواجهة العالم الجديد بتفهم وشجاعة ورؤية ثاقبة وتصور لما يجب عليهم فعله.
والمقصود بالعالم هنا هو النظام العالمي. ونحن في منتصف السنة الثانية من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، النظام العالمي في حالة من التحول بسبب نطاق وسرعة ما يحدث من تغييرات كارثية وصلت إلى حد التهديد باستخدام الأسلحة النووية.
وعليه فإن الأحداث والتطورات التي يعيشها عالم اليوم يتم التسبب فيها من قبل منظومة معقدة من العناصر العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية، بالإضافة إلى الصراع على الموارد النادرة التي لا يوجد منظور عالمي مناسب يستطيع شرحها بالكامل.
دولة الإمارات دولة مسالمة وتبحث عن تحقيق السلام العالمي الشامل، لكنها في نفس الوقت تبحث عن تعزيز دورها العالمي بقوتها الناعمة، والمبدأ الثامن يشير بوضوح إلى الرغبة المؤكدة لها في السلام والأخوة الإنسانية.
وهنا تنشأ لدى مجموعة من التساؤلات ترتبط بمنظومة القيم:
أولاً، كيف يمكن لدولة الإمارات أن تستفيد من ثروتها لكي تصبح قوة كبرى على صعيد القوة الناعمة.
ثانياً، هل تحتاج القوة الناعمة إلى قوة مادية تسندها وكيف يمكن تحقيق ذلك؟.
ثالثاً، بعد بناء القوّة الناعمة بشكل صلب وثابت كيف يمكن نشرها فيما وراء الحدود الوطنية والسعي من خلالها إلى التأثير والنفوذ على الأحداث العالمية؟
رابعاً، وأخيراً، ما هي العوامل التي تسرع أو تبطئ ترجمة الموارد المادية إلى مصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية؟
ورغم أنه لا يمكنني الإجابة على هذه الأسئلة المعيارية القيمية الكبرى في هذا المقام، إلا أن هذه الأسئلة تعتبر مركزية في منظومة القيم الخاصة بمبادئ الخمسين مثلما هي مهمة في تشكل نظرية جديدة للعلاقات الدولية في عالم اليوم الذي نعيش فيه بعيداً عن استخدام القوّة العسكرية الغاشمة واستناداً إلى عناصر القوة الناعمة.
والحقيقة أن منظومة القيم الإماراتية التي نشير إليها، هي داعية للواقعية في التعامل الإنساني على الصعيد العالمي. والواقعية القائمة على قيم الدولة تمتد إلى ما وراء التقاليد الواقعية التقليدية التي تربط بين القوة الوطنية والنوايا الوطنية المعلنة لكي ترسم على تقليد يقول بمعاملة الدولة على أنها لاعب مستقل ذو تأثير عظيم على السياسة الوطنية.
إن الأمم لا ترسم وتنفذ السياسة الخارجية وتخصص الموارد الضخمة في فراغ أو بشكل عبثي لا هدف ولا نتيجة له، إنما هي تقوم بكل ذلك من أجل تحقيق مصالحها الوطنية العليا.
ودولة الإمارات من خلال منظومتها القيمية المعلنة تقول للعالم أجمع: نحن نرسم سياستنا الداخلية والخارجية ونحن على يقين مما نفعل فنحن منكم ومعكم ولكم لكي نحقق ما تصبو إليه البشرية من أمن وسلام ورخاء.
* كاتب إماراتي