الحديث عن أهمية المهارات الشخصية في مقابل الشهادة الجامعية للمقبلين على دخول سوق العمل ليس محصوراً بفترة زمنية محددة أو منطقة جغرافية بعينها، بل هو سجال يدور في العديد من المجتمعات وأطرافه أرباب العمل، ومؤسسات التعليم بكافة مستوياتها، والمتخصصون في تطورات سوق العمل العالمية.

ولعل السبب الأبرز وراء ذلك النقاش هو الفروقات المتزايدة في العقود الأربعة الأخيرة بين رواتب فئة الحاصلين على درجة البكالوريوس وحملة شهادات الثانوية العامة، ومنهم من يتمتع بمهارات مطلوبة لأداء مهنة محددة، بينما الغالبية لا يمتلكون أي مهارة، وبين فئة غير الحاصلين على شهادة أكاديمية ولكن يتسلحون بمهارات تساهم بقوة ليس فقط في دخولهم سوق العمل، بل والتنقل بين مهنة وأخرى.

وترى العديد من الأوساط التعليمية أن المهارة والدرجة الأكاديمية وجهان لعملة واحدة في مسيرة بحث الشخص عن الوظيفة المناسبة ويجعلان حظوظ المرء قوية للفوز بالمهنة باعتباره الأنسب، ولكن الواقع يشير إلى العديد من الفروقات بين من يحمل شهادة أكاديمية وبين من يمتلك مهارات معينة.

بالنسبة للحاصلين على الشهادة، هم في الغالب لديهم ثقة كبيرة في أنفسهم ويسيرون وفق منهج ورؤية محددة، الأمر الذي يساعدهم على التطور المهني، كما قد تمنح الشهادة الأكاديمية سمعة ومكانة اجتماعية للشخص باعتبارها انعكاساً لمستوى التفكير والطموح والتخطيط، وبالتالي يرى المعسكر المؤيد للشهادة الأكاديمية أنه كلما كانت تخصصية وتقع ضمن نطاق محدد ودقيق، كان لحاملها فرص أقوى في الحصول على وظيفة بعائد مالي أكبر.

وعلى الجانب الآخر، يرى المعسكر المؤيد للمهارة أنه ليس بالضرورة من يحصل على شهادة أكاديمية يتمتع بمهارات سوق العمل، والمهارات هي المرجعية الأساس لحصول الشخص على الوظيفة وتحقيق أهدافها الموضوعة من المؤسسة، وليس الشهادة وخاصة أن المهارات لا يمكن تقييمها من خلال الشهادة، بل من خلال الاختبارات العملية.

ولذلك فإن الشهادة الأكاديمية قد تسمح لصاحبها بالحصول على الوظيفة، ولكن المهارة هي التي تسهم في التطور المهني، ولفت انتباه صاحب العمل لذوي المهارات المتميزة، وبالتالي منحهم مهام أكبر تساعدهم على الترقي في السلم الوظيفي.

والحديث في دولة الإمارات العربية المتحدة لا يختلف عما يدور في الدول الأخرى فيما يتعلق بأولوية التوظيف، وهل هي الشهادة الأكاديمية أم المهارات الشخصية وذلك للتطورات المتسارعة التي تحدث في سوق العمل المحلية، والتي تتأثر دوماً وبطريقة مباشرة بما يحدث في أسواق العمل الدولية.

ولذلك فإن الحديث يدور أيضاً في الأعوام الأخيرة حول المقارنات بين مزايا الشهادة الأكاديمية والمهارات المهنية وأهميتهما لصاحب العمل وخاصة في المهن التي تتطلب مهارات شخصية محددة مثل الكهرباء والإلكترونيات والميكانيكا وبرمجة الحاسوب وغيرها، والتي تستوجب تمتع الشخص بمهارات عملية قلما يتم تدريسها في التعليم العالي بتركيز وكثافة كافيين. ولذلك نلحظ النمو المتزايد لدور مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني في الإمارات، وأبرزها تلك المنضوية تحت «مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني».

وتعمل مؤسسات التعليم المهني في الدولة على مسارين متوازيين، الأول صقل مهارات الطالب في مجالات مهنية أصبحت ذات أهمية للعديد من المواطنين وينشدها سوق العمل بوتيرة متزايدة لأنها تقوم على الجانب العملي في الأساس، والمسار الثاني هو الشهادة العلمية التي تمنحها تلك المؤسسات. وتقوم تلك المؤسسات دورياً بدراسة احتياجات سوق العمل وإضافة تخصصات جديدة.

والمحصلة جيل من المواطنين يتسلح بالمهارات العملية بصورة أكبر وأقوى من المواد النظرية، الأمر الذي تقوم عليه احتياجات سوق العمل في العديد من الدول المتقدمة حالياً.

* باحث إماراتي