في أكتوبر 2019، شاركت باحثة بيئية تُدعى جيني رولاند-شيا في كتابة تقرير لصالح «مركز التقدم الأميركي» ذي الميول اليسارية عن الفقدان السريع للحياة البرية والمناطق الطبيعية الأميركية. وأدرجت الباحثة في التقرير إحصائية تفيد بأن الولايات المتحدة تخسر رقعة من الطبيعة بحجم ملعب كرة قدم كل 30 ثانية. وتحكي قائلة إنها بدأت بعد قليل ترى هذه الحقيقة، وتم الاستشهاد بتقريرها في مجموعة متنوعة من التدوينات ومقالات الرأي. لكن هذه الاستشهادات اتخذت نبرة مختلفة للغاية.

وتؤكد «رولاند-شيا»، نائبة المدير حاليا للأراضي العامة في مركز التقدم الأميركي، أنها «مالت دوما بالإحصاءات لدعم خطاب لم نكن بالتأكيد نستهدف دعمه (مثل) انتقاد المهاجرين والملونين والقول إنهم مسؤولون» عن الأضرار البيئية.

وحين بدأت هي وزملاؤها في بحث ما نُشر، عثروا على خريطة للخطاب البيئي والمنظمات تتبنى مبادئ أفضلية السكان الأوائل بل ولها ميول فاشية. وهالهم الأمر في البداية، وتتذكر «رولاند-شيا» أنهم علموا من زملائهم أن ما رأوه ليس فريدا من نوعه. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شعر نشطاء التيار الرئيسي لحماية البيئة والمناخ بالقلق مما رصدوه من ظهور نمط جديد من الوعي البيئي اليميني الذي يكتسب زخما في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وفي أقصى التطرف، تبنى المؤيدون صراحة توصيف «الفاشية البيئية».

فقد أدعى هذه الصفة الشخص المتهم بإطلاق النار العشوائي هذا الشهر في بوفالو، بولاية نيويورك. وأدى هذه الصفة أيضا الضالعون في ارتكاب عمليات إطلاق النار الجماعي في إل باسو، بولاية تكساس، وفي كريستشيرش، في نيوزيلندا عام 2019. فقد ألقى كل منهم باللوم على المهاجرين والملونين عموما، في تدهور الطبيعة، وادعوا أن قتل السكان الأدنى قيمة مفيد للبيئة، في عودة واضحة، بحسب قول باحثين، إلى الخطاب النازي. لكن بعض المدافعين عن المناخ يعتقدون أنه بالرغم مما تثيره هذه الحالات من قلق فيما يبدو، فالأكثر إثارة للقلق هو الطريقة التي يتسرب بها المفهوم الأساسي للفاشية البيئية إلى التيار الرئيسي.

والفاشية البيئية هي الدفاع عن «الطبيعة» باستخدام العنف عن صورة رومانسية بيضاء عرقيا. ويرون أن هذا يصح بشكل خاص مع تناقص عدد الأشخاص الذين يشككون في تغير المناخ وتزايد الجدل بشأن ما يستطيع البشر فعله حيال ذلك. وتسبب هذا في استبطان للذات لدى كثيرين من النشطاء البيئيين الذين عملوا لفترة طويلة على التنبيه من خطورة أزمة المناخ والذين يجدون أنه يتعين عليهم الآن التصدي لليأس.

وترى بيتسي هارتمان، الأستاذة الفخرية لدراسات التنمية في كلية هامبشاير ومؤلفة كتاب بعنوان «متلازمة أميركا: نهاية العالم والحرب ودعوتنا إلى العظمة»، أن «كثيرين لجؤوا إلى فكرة يوم الدينونة (يوم القيامة) معتقدين أنها مفيدة في تخويف الناس ودفعهم إلى التحرك. لا أريد التقليل من إلحاح هذه القضايا البيئية. لكن وضعها في هذا القالب التنبؤي بالقيامة يشجع الناس على تعليق أطر عملهم الأخلاقية الأساسية.

فإذا كانت نهاية العالم قادمة، فكل شيء جائز، وسيكون من الأسهل ظهور جميع أنواع الصور النمطية المتشددة». وترى أن هذا يصح بشكل خاص، في الحديث عن «لاجئي المناخ». فكثيرون من اليسار التقدمي يرون أن فكرة اضطرار الناس لمغادرة منازلهم بسبب تغير المناخ تثير تعاطفا. لكن، بالنسبة للأشخاص من الجناح اليميني، قد يخلق هذا الخوف ويثير الحديث عن التأكيد على الحدود الوطنية. وترى هارتمان أن الأبحاث تشير في الواقع إلى أن جانبا كبيرا من الهجرة بسبب تغير المناخ سيحدث داخل البلد نفسه.

وعلى سبيل المثال، قد يقرر أشخاص الانتقال من ولاية كاليفورنيا المعرضة لحرائق الغابات أو نيو مكسيكو التي يعصف بها الجفاف إلى منطقة أخرى من الولايات المتحدة. ومضت هارتمان تقول: «قد تنطوي قرارات الناس بالهجرة على عوامل مناخية. لكن قرارات الهجرة تكون عادة أكثر تعقيدا. وأعتقد أنه يتعين علينا توخي الحذر بشأن الطريقة التي تم بها ربط المناخ بالهجرة في دوائر الأمن القومي، بل حتى في الدوائر البيئية التقدمية. فغالبا ما يكون هذا سببا آخر لتعزيز أمن حدودنا».

وشهدت «ميج راتان ووكر»، وهي ناشطة مناخية تقيم بالقرب من مدينة تورنتو الكندية، نوعا مشابها من اليأس الشديد حيث عملت على مساعدة البلديات المحلية على تبني خطط عمل مناخية وخفض الانبعاثات. وذكرت أنها في الاجتماعات العامة واجهت معارضة متكررة، ليس من منكري تغير المناخ، لكن من الذين يعتقدون أن العالم محكوم عليه بالفناء. وجادل هؤلاء المعارضون بأن أفضل نهج للتصدي للاحتباس الحراري هو تشديد أمن الحدود ورفض المهاجرين والاستعداد بشكل فردي لانهيار الحضارة.

ومضت روتان ووكر تقول: «تغير المناخ يخيفني. لكن هذا (اليأس) مرعب. هذا ما يحدث عندما يقول الناس في العالم المتقدم: إن أوان فعل أي شيء قد فات. والإيمان بنهاية العالم يعطي للناس إذنا لفعل أي شيء يريدونه كي يبقوا على قيد الحياة». والواقع أن اليأس هو الرابطة الأساسية بين حركة عالمية متصاعدة لليمين المتطرف والناشطية البيئية الفاشية في الهامش، كما يقول جيف سبارو، الكاتب الأسترالي الذي نشر كتابا بعنوان «الفاشيون بيننا» عن مذبحة كرايستشيرش.

ويرى سبارو أن الفاشية حركة يأس مفادها أن «العالم ينهار ولا نشعر أن بمقدورنا تحسينه بحال من الأحوال، لذا دعونا نطلق العنان للعنف ونجد الخلاص». وأكد سبارو «لا خير يأتي به اليأس».

وتعتقد هارتمان أن الخطاب البيئي يميل منذ عقود نحو التحذيرات المروعة. وتؤكد أن هذه التحذيرات شملت كل شيء، من نقص الغذاء إلى نفاد المياه إلى الآثار الرهيبة للاكتظاظ السكاني. وترى أن هذه النقطة الأخيرة مثلت إشكالية بشكل خاص. وفي عام 1968، تنبأ أحد الكتب الأكثر مبيعا، لكاتبه الأستاذ في جامعة ستانفورد، بول إيرليش، وهو بعنوان «القنبلة السكانية»، بأن تزايد عدد البشر سيؤدي إلى شرور كثيرة، من المجاعة العالمية إلى الحرب العالمية. وساعد الكتاب في تدشين سنوات من الأيديولوجية البيئية التي ركزت على المشكلة المزعومة المتمثلة في «العدد المفرط من الناس».

لكن هارتمان وعلماء آخرين ذكروا أنه نادرا ما طُرح هذا العدد المفرط باعتباره من الأنجلوساكسون البيض. ومفهوم الزيادة السكانية تمتد جذوره إلى حركة تحسين النسل أوائل القرن العشرين التي دعت إلى بناء جنس بشري «متفوق» من خلال التربية الانتقائية، وكان هذا نهجا عنصريا للغاية.

وفي السنوات الأخيرة، تراجعت معظم المنظمات البيئية في التيار الرئيسي، بل واعتذرت عن تركيزها على الزيادة السكانية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وترى جاكلين جيل، المتخصصة في علم البيئة القديمة في جامعة مين، أن هذا الخطاب مازال يظهر بانتظام في الحديث عن المناخ.

وهذا على الرغم من إثبات أبحاث أن استخدام الوقود الأحفوري في البلدان الأكثر ثراء والتي غالبية سكانها من البيض تأثيره المناخي أكبر بكثير من تأثير العدد الكبير للسكان في أي دولة عالية المواليد. وتؤكد جيل أنه «من الصعب حقا إقناع الناس بأن الاستهلاك هو المشكلة، وليس عدد الأشخاص». وتؤكد أنه عند الحديث عن الزيادة السكانية لا يدرك كثيرون من الناس أنهم جزء منها.

ويرى كثيرون من المدافعين عن المناخ أنه في مقابل كل هذا هناك نوع من التفاؤل الجسور الذي يتطلب تحولا عن الإنذار الذي ميز غالبا التحذيرات بشأن الاحتباس الحراري. وترى روتان ووكر أن «العالم يتغير بسرعة كبيرة والمناخ يتغير بسرعة كبيرة ونحن متخلفون حقا في طريقة التواصل».

وتعتقد هي وآخرون أنه بدلاً من فكرة الفناء والانهيار المجتمعي، يتعين أن يعلم الناس أن تنسيق العمل يمكنه أن يحدث فارقا، وأن هناك خطوات يجري قطعها نحو مواجهة الضرر المرتبط بالمناخ، وأن يتعلموا أيضا طريقة للتعاون مع الآخرين فيما تطلق عليه روتان ووكر «التضامن الراديكالي».

وترى «جيل» أن الأمر يتطلب أيضاً تصحيح المعلومات بشأن الأكثر تضرراً من تغير المناخ وكيفية إصلاح أوجه عدم المساواة هذه. وترى أيضا أن الفاشيين البيئيين يميلون عادة إلى إلقاء اللوم في مشكلات البيئة على المهاجرين وسكان البلدان النامية والملونين، لكن تأثير هؤلاء الملونين بتغير المناخ ليس طفيفا فحسب، بل إنهم يعانون من آثار تغير المناخ أكثر من غيرهم.

ومضت جيل تقول: «أكبر عدم يقين في مستقبل مناخنا لا يتعلق بما سيفعله الكوكب، بل بما سنفعله نحن. هذا صحيح من المنظور العلمي فيما يتعلق بالسبل التي ستسلكها الانبعاثات والسياسات والقرارات. لكن هذا يصح أيضا فيما يتعلق بالحركات الاجتماعية الصاعدة وأمور أخرى يصعب التنبؤ بها».

*كاتبة متخصصة في شؤون البيئة وتغير المناخ.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»