كان طه حسين(1889- 1973) شخصية العام في معرض أبوظبي للكتاب(خلال الفترة من 23 إلى 29 مايو2022). نُقشت في قلب المعرض عبارة «الكتاب بصيرة»، تعبيراً عن بصيرة المحتفى به، ويستحق طه حسين أن يُعادل بالكتاب، فالبصر ليس في عينيه إنما بما ملأ مِن كتبه وبما أفاض مِن عقله. أقول: مَن يطلع على كتاب صلاح الدِّين الصَّفديّ(ت: 764هج) «نكث الهميان في نُكت العميان»، سيجد بينهم طه، فالكتاب تراجم لمبصرين لا عميان. غير أنَّ ملف صحيفة «الاتحاد» بالمناسبة كان الأكثر تعبيراً: «طه حسين شمس تنوير لا تغيب»، وبهذا يكون هذا العام احتفاءً بالتَّنوير عبر طه، الذي اعتبره الصَّحويون الظَّلاميون خصماً مؤبداً. طه الَّذي أراد محمد مهدي الجواهريّ إحياء المعريّ بفيضه، فكلاهما فقد نعمة البصر واعتاض عنها بنعمة العقل: «وجدِّدْ لنا عهدَ المْعريِّ إنَّه قضى/ وهوى بغدادَ يلذعُه لذعا»(أحيِّيك طه 1944). 
توج معرض أبوظبي الاحتفاء بندوة، كنت أنتظر تناول طه كأحد رموز «التَّنوير»، بما تعرض له مِن إفتاء، بعد عام مِن قضية عليّ عبد الرَّازق(1925) عن «الإسلام وأُصول الحُكم»، ولماذا نشر طه «في الشِّعر الجاهلي»(1926)؟ ولماذا عُد هذا الكتاب كفراً! كانت محنة طه مزدوجة مِن المكفرين، ومِمن اعتبروا الكتاب منحولاً مِن مارجليوث(ت: 1940) في «أصول الشِّعر الجاهليّ»(شاكر، المتنبي). لهذا لم يرد الباحث يحيى وهيب الجبوريّ(ت: 2019) على طه، بل ذهب مباشرة إلى مارجليوث دفاعاً مثبتاً وجود الشِّعر الجاهليّ. مع أنه لا يحتاج وجود الشَّمس لبرهان! 
مثلما أنكر مارجليوث الشّعر الجاهلي، على أنه منحول إسلامي، وبهذا يكون القرآن لا صلة له بلغة العرب، تبنى طه الفكرة، فاشتهر بها أكثر من أصلها مارجليوث، لكثرة الرُّدود، فالتُّهمة: «كَذبَ فيه القرآن صراحةً»(شبلي، محاكمة طه حسين). غير أنَّ النَّائب العام آنذاك أخذ القضية ثقافيّة وليست جنائيّة(نفسه). شاع الكتاب قضيةً عامةً، حاظياً بردود عنيفة، مِمن كفروه وممِن اتهموه بانتحال مقالة كتابه. 
كان أعمق الرَّادين بالبراهين، ضد فكرة نفي وجود الشِّعر الجاهليّ، المحقق الجبوريّ، في «المستشرقون والشِّعر الجاهلي»، عرض ادعاءات مارجليوث ورد عليها، وكان قد ترجم مقالته «أصول الشِّعر العربيّ»(1925)، التي ظهرت عند طه «في الشَعر الجاهلي»(1926)، ولعلَّ الجواهريّ(ت: 1997)، في جمهرته(1984)، كان آخر الرَّادين على طه، اختلف معه في كلِّ ما ورد بخصوص نفي وجود الشّعر الجاهلي، إلا معلقة عمرو بن أُمِّ كلثوم اعتبرها الجواهريّ لا تنتمي لأي عصرٍ مِن عصور الشِّعر العربي، الجاهليَّة والإسلاميَّة، وحتَّى يومنا هذا، لِما فيها مِن ركاكةٍ ليست كلُّها مِن «الشّعر الجاهليَ الرَّصين الأخاذ»(الجواهريّ، الجمهرة مختارات مِن الشِّعر العربي). أما الرَّاد الأمضى والأوسع ضد فكرة عدم وجود شعر وثقافة عربيين، قبل الإسلام، جواد علي(ت: 1987) في «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»(عشرة مجلدات)، وكأنه جاء رداً مقصوداً على مارجليوث ثم طه. 
لا نشك بطه أحد أعمدة التَّنوير، وإن كان في النَّفس شيء مِن الألقاب الثَّقافيَّة، فعمادة الأدب العربي تُلغي عمداء مؤسسين، مثلما شاعر العرب الأكبر، وأمير الشُّعراء، تُحجب تاريخ كبار وأمراء، والمفروض تنزيه الثّقافة مِن هذه الورطة، فالأسماء هي الألقاب. هذا، ويبقى لطه باعه في الأدب العربي، أسلوباً وفكراً- مع أنَّ مؤلفاته مِن صنف الأمالي بحكم بصره- وله ريادة ترسيخ الحداثة في التَّعليم، قولاً وفعلاً، كوزير معارف. لهذا يبقى طه، رغم قضية الانتحال، المثقف التَّنويري والكتاب البصيرة.
* كاتب عراقي