يثير الإعلان الرائج عن إنشاء منطقة آمنة في سوريا، يعود إليها بضع ملايين من السوريين المهجَّرين، قلقاً ومشاعرَ مضطربة لدى السوريين. إنهم بحاجة ماسة لمنطقة آمنة، فقد هاجروا من مدنهم وأريافهم بحثاً عن الأمان، فإذا ما توفر لهم في وطنهم، فكثير منهم سيعود إلى أرضه ووطنه، لكنهم يخشون أن تتحول هذه المنطقة الآمنة مؤقتاً إلى دويلة صغيرة تحفز آخرين لإقامة دويلات مماثلة، فيتحوّل التقسيم الراهن لمناطق النفوذ إلى تقسيم جغرافي وطائفي وعرقي لسوريا التي تصر المعارضة والموالون أيضاً، وكذلك كل القرارات والبيانات الدولية، على وحدتها وبقائها دولةً واحدةً لكل مواطنيها.
ولابد من الاعتراف بأن انتظار تحقيق الآمال بالحلول السياسية بعد أحد عشر عاماً من المعاناة والشتات يحتمل أن يبقى ملايين اللاجئين مقيمين في الخيام التي تذروها الرياح صيفاً، وتقتلعها العواصف في الشتاء سنوات عديدة أخرى، لاسيما أن الاهتمام بإنجاز حل سياسي شامل ما يزال على الورق دون أية فاعلية تبشّر باقترابه، بينما ينمو جيل بعد جيل من مئات آلاف الأطفال واليافعين السوريين بلا مدارس ولا رعاية ولا مستقبل. ومن المتوقع أن يقبل على العودة إلى المنطقة الآمنة المقترحة في الشمال كثير من اللاجئين المنسيين في المخيمات في المناطق الجنوبية من تركيا والمتاخمة للحدود. وإذا كان خيار العودة طوعياً، فإن ملايين السوريين المهاجرين الذين دخلوا مرحلة الاستقرار المؤقت سيفضلون البقاء في المدن التركية حيث تمكنوا من الاندماج في المجتمع التركي، وأطفالهم يدرسون في المدارس التركية، وقد انخرط كثير منهم في ميادين العمل، وتمكنت النخب الاقتصادية السورية من أداء دور متميز في حراك التنمية الذي تعيشه تركيا.
ولئن كانت المخاوف لدى اللاجئين المتوقع أن يعودوا، تتركز حول آليات الأمان القادرة على حمايتهم وتوفير متطلبات العيش، فإن الضمان الممكن هو توافق دولي لابد منه، تجمع عليه روسيا وإيران وتركيا، أي الدول الضامنة في مسارات آستانة وسوتشي. ولابد كذلك من غطاء دولي توفره الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وسيكون أقوى مناعة أن يوافق مجلس الأمن على قيام هذه المنطقة الآمنة بشكل مؤقت ريثما يصل السوريون إلى حل سياسي نهائي.
ولابد من أن يشار في توصيف هذه المنطقة الآمنة المتوقعة، في أي قرار أو رؤية حولها أنها مجرد حل موضعي ومرحلي ممكن لمعالجة قضية اللاجئين السوريين في تركيا، بعد أن تصاعدت أعدادهم، وبات احتمال نزوح كثير منهم إلى أوربا مقلقاً للجميع، وسيكون خطيراً أن تشكل هذه المنطقة الآمنة رؤيةً مستقبلية لبناء دويلة ذات طابع عرقي أو ديني أو طائفي، مما يحرض طوائف أخرى على المضي في التقسيم، لندخل مرحلة الطوائف المتصارعة والتي ستجعل سوريا أرض حروب لا تنتهي. لقد عاش آباؤنا وأجدادنا مرحلةَ تقسيم سوريا زمن الانتداب الفرنسي، وكان من حسن حظهم أنهم كانوا جميعاً ضد عدو واحد هو المحتل الذي يطالبونه بالرحيل ليحصلوا على الاستقلال، وقد تمكنوا من إجهاض مشروع التقسيم إلى دويلات طائفية بعد بضع سنين من قيامه، وسرعان ما عاد السوريون متمسكين بوحدة بلادهم، وبالعيش المشترك بين كل أطياف مجتمعها وشرائحه.
لكن الوضع الراهن الذي اختلف فيه السوريون حول رؤية مستقبلهم، صرف نظر كثير منهم عن رؤية خطر الاحتلالات القائمة الآن، وهذا ما يجعل القلق على المستقبل أخطر، وثمة ملايين السوريين في الداخل والخارج يصرون على استقلال بلادهم الكامل، ووحدة أراضيها ويرفضون أي تقسيم، وهم يتنظرون أن يهتم المجتمع الدولي بإنهاء هذه المأساة الإنسانية المريعة وفق قرارات أممية. 

*وزير الثقافة السوري السابق