احتفل رسامو الكاريكاتير في العالم بيوم الفاتح من شهر مايو الماضي، كما في كل عام، باعتباره اليوم الذي عرف ولادة فنّهم المحبب والذي يخافه الكثيرون في الوقت ذاته، لأهميته وخطورته وجرأته على السخرية والنقد. وغالباً ما يشار إلى أن فن الكاريكاتير في أبسط تعريفاته باعتباره «فن نقد الحياة بصورة ذكية معبرة وساخرة ولاذعة». إنه فن يبحث عن الحقيقة ويخشى الظلام، وهو مادة صحفية مفضلة لجميع القراء، بغض النظر عن مستوياتهم الثقافية وفئاتهم العمرية ودرجاتهم العلمية، لما ينطوي عليه من سحر وقبول كبير لدى المتلقي، وقدرة على الجذب والتأثير والتشويق. ورغم منحاه النقدي، فهو يتصف بالبساطة في إيصال الفكرة والدقة في اختيار الموضوعات الحساسة التي تهم أكثر الشرائح المجتمعية. إنه لغة مشتركة متعارف عليها بين سائر شعوب الأرض، لوضوحه ومباشرته، إذ يعتمد على استلهام الحدث وتكثيف الفكرة.. لذا فهو يثير الصخب ويكشف الحقيقة ويفضح المستور.
ويتفق كثير من رسامي الكاريكاتير ونقاده ومتابعيه، والباحثين في فنه، على أنه فن قديم تمتد جذوره إلى آلاف السنين. لكن الرسم الكاريكاتيري بصيغته وشكله وحضوره في عالم الصحافة، تطوَّر على مراحل وله مدارس مختلفة، وهو ركن أساسي في الصحافة الورقية منذ ظهورها في العصور الحديثة. وتكاد لا تخلو أي صحيفة من حضور الرسم الكاريكاتيري المعبِّر عن وجهة نظرها. ونظراً لما للرسم الكاريكاتيري اليومي من أهمية ودور وحضور وتأثير وسطوة في صناعة الرأي العام، كانت رسمة الكاريكاتير وافتتاحية الصحيفة، هما الأكثر مطالعة من طرف جمهور القراء وصانعي القرار والمشتغلين بعالم السياسة، مما يوضح أهمية الكاريكاتير ودوره في صناعة الرأي العام وصياغته. وقد ازداد حضور الكاريكاتير مع التكنولوجيا الجديدة وثورة المعلوماتية وعالم الإنترنت والاتصال، حيث لم يعد يكتفي المتابع برسمة في هذه الصحيفة أو تلك، بل أصبح بإمكانه الاطلاع على عالم الكاريكاتير أينما وكيفما وجد، وبمختلف اللغات لأنه يتحدث بصمت وأحياناً من دون تعليق، وينبهر فيه المتابع حتى لو لم يتقن هذه اللغة أو تلك، خصوصاً أن الكاريكاتير الصامت هو الأقوى حضوراً وتأثيراً في ظل الثورة التكنولوجية المعلوماتية.
ويقال إن كلمة «الكاريكاتير» إيطالية في أصلها، وإنها تعني المبالغة في الشيء. وفن الكاريكاتير سابق تاريخياً على الصحافة، إذ يعود إلى الرسم على الجدران والكهوف في أيام الفراعنة. لكنه مع الصحافة أخذ مكانةً متميزةً، لدرجة أن مَن يريد تأسيس صحيفة في عصرنا هذا، عليه أن يبحث عن رسام كاريكاتير قبل أن يبحث عن رئيس تحرير، لندرة المبدعين في رسمه. ورغم شح الدراسات الأكاديمية حول عالم الكاريكاتير، فإنه يختلف عن الرسم الفني العادي، من حيث أنه يكون دائماً موظفاً لخدمة فكرة أو موقف معين، وبالتالي فهو حالة من الانتقاد الساخر المتواصل مع الحدث اليومي. إنه مرتبط بحالات ومشاهد حياتية تنتظر نقدَها والتعليق عليها. وهذا يعني أن الكاريكاتير في معظم حالاته فن مشاغب وساخر ومشاكس وعنيد ولماح وسريع التأثير وشديد القدرة على إيصال الفكرة، أو بعبارة أخرى فهو فن السهل الممتنع. 
ومع أن الكاريكاتير انتشر سريعاً في العالم العربي، فإن بواكير فصول قصته كانت في مصر مع مجلة «أبو نظارة» الساخرة التي أصدرها يعقوب صنوع أواخر القرن التاسع عشر. وتطور هذا الفن وما زال في حالة تطور في مصر وغيرها من البلدان العربية. وقد أخذ ينتشر بعد انتشار الصحف ودُور الطباعة والنشر، وحصل على شعبية جارفة أسستها معطياتُ مراحل كثيرة مر بها تطور الصحافة العربية. وانتشر هذا الفن في بلاد الشام والعراق والمغرب العربي ودول الخليج العربية، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من المائدة الإعلامية اليومية التي يتناولها القارئ، ويستشف ملخص حدث وقراءته من خلال فن الكاريكاتير السهل الممتنع الممتع. 

*كاتب سعودي