التأكيد الأميركي الرسمي «غير الرسمي مؤقتاً» عبر وسائل الإعلام الأميركية حول قرار الرئيس بايدن زيارة الرياض خلال جولته الأوروبية الشرق أوسطية، يُعد إنجازاً سياسياً للمملكة العربية السعودية بعد فشل عبثية واشنطن في تحجيم دور ومكانة السعودية وهي الدولة المركزية عربياً، والأمين على أمن واستقرار أسواق الطاقة.

وعند سؤال المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جين-بيير حول صحة الخبر من عدمه، وهل يؤشر ذلك لحدوث تحول في موقف الرئيس بايدن تجاه المملكة؟ أجابت: «لا زال الرئيس عند موقفه ذاك»، وكذلك كان فشلها في الرد على سؤال حول الكيفية التي سيقرأ بها قرار زيارة الرياض من منظور الرأي العام الأميركي أولاً والدولي ثانياً.

انزعاج واشنطن من الرياض لا يوجد ما يبرره مهما تباينت المواقف من الملفات الخلافية، إلا أن ترجمة ذلك التباين عبر مواقف أو سياسات قد تُقرأ عقابيةً أو تأديبيةً يعد مغامرة غير محسوبة العواقب، ومضرة بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة قبل غيرها. وكذلك انعكاساتها السلبية على أمن واستقرار عموم منطقة الشرق الأوسط، والحال نفسه من وجوب اعتراف واشنطن بمكانة ودور الرياض المركزي في صناعة أو التأثير المباشر في صناعة القرار عربياً وإسلامياً.

ويعد قرار المملكة العربية السعودية إطلاق «عاصفة الحزم» أحد أكبر الملفات الخلافية من قبل واشنطن، فقد مثل ذلك (من المنظور الأميركي) تجاوزاً لكل ثوابت العلاقات السعودية الأميركية، دون احتساب واشنطن لدوافع ذلك القرار من منظور الأمن القومي لعموم دول شبه الجزيرة العربية. وكذلك هو الحال من تراجع واشنطن عن كل تعهداتها لحلفائها في المنطقة فيما يخص العودة للاتفاق النووي الإيراني، أو عبثية آليات التفاوض مع طهران ضمن استراتيجية الأخيرة (الاستنزاف الزمني).

لقد أثبتت السياسات الخليجية المتوازنة مثاليتها النسبية وخصوصاً في فرض وإعادة الاستقرار أو التحفيز على إعادة الاستقرار في أكثر من دولة شرق أوسطية، وكذلك تبنيها دبلوماسية غير مسبوقة في التعبير عن مسؤولياتها الإقليمية أو ضمن فضاءاتها الجيوسياسية. إلا أن واشنطن قابلت كل ذلك بإنكار ونكران ذلك الاستحقاق الطبيعي للرياض. ما تحتاجه واشنطن هو إعادة تقييم موقفها من حلفائها الإقليميين وعلى أسس استراتيجية من مناظير عدة، أولها مفهوم الأمن الإقليمي المشترك، وأن الرياض هي عُمق ذلك الأمن، ثانياً، مفهوم الأمن الإقليمي المتكافل على ضوء الاتفاقات الإبراهيمية. ثالثاً، التكافل المتماثل في تمثيل المصالح القومية.

ستبقى الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الأول للمنطقة، إلا أن ذلك لا يعني عدم الانفتاح على تفاهمات استراتيجية مع شركاء آخرين مثل أوروبا وآسيا، ويجب أن تدرك واشنطن ضرورة التوافق على استراتيجية حقيقية، لا تخضع ثوابتها لتحولات جذرية نتيجة تغير قاطن البيت الأبيض.

* كاتب بحريني