«لن نتخلى عن روسيا أو أوكرانيا ولن نقبل بازدواجية المعايير». بهذه العبارة لخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقف بلاده من الحرب الدائرة على حدوده، فمنذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا تبنّت تركيا مقاربةً تحاول إمساك العصا من المنتصف سعياً للحفاظ على مصالحها بالدرجة الأولى وعلى التزاماتها كدولة عضو في حلف «الناتو» وللوفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية مونترو البحرية الناظمة للملاحة في المضايق التركية.

فما هي محددات السلوك التركي؟ وما هي خيارات تركيا اليوم في حال طال أمد الحرب؟ منذ البداية راهنت تركيا على عدم امتداد الحرب لوقت طويل وعلى موقف الحياد الإيجابي. ورغم أنها عضو في حلف «الناتو» الذي قرر دعم أوكرانيا عسكرياً وسياسياً وقرر فرض عقوبات على روسيا، لم تغلق تركيا مجالها الجوي في وجه طيران روسيا، كما رفضت المشاركة في العقوبات الغربية عليها.

لكن مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية تجد تركيا نفسَها في موقف لا تحسد عليه، فمن الناحية الجيوسياسية الحرب على أبوابها، إذ تتشارك مع كلٍ من روسيا وأوكرانيا شواطئ البحر الأسود، وليس من مصلحتها توسع دائرة الصراع في البحر الأسود. وقد برزت أهمية المضايق التركية منذ بدايات الحرب، حيث طلبت أوكرانيا من تركيا إغلاق هذه المضايق في وجه السفن الحربية الروسية. وفي حين التزمت تركيا بدايةً الصمتَ تجاه طلب الرئيس الأوكراني، إلا أنها أعلنت لاحقاً إغلاق مضايقها أمام السفن الحربية الروسية، وأكدت أن هذا القرار يأتي في سياق المساعي التركية لخفض التصعيد.

ويومها علّق السفير الروسي في أنقرة على هذا القرار بأن موسكو «تتفهم إغلاق تركيا مضايقها وفق اتفاقية مونترو». وعلى مدى سنوات استطاعات أنقرة نسج علاقات متوازنة مع كل من روسيا وأوكرانيا، إذ نمت العلاقات الروسية التركية تصاعدياً خلال السنوات الماضية، وأصبحت روسيا تحتل المرتبة الثانية بعد الصين كأهم شريك تجاري لتركيا التي تتجاوز وارداتها من السلع الروسية 28 مليار دولار، بينما تصدّر تركيا لروسيا ما قيمته 5 مليارات دولار، كما أن روسيا أهم مورِّد للغاز الطبيعي إلى تركيا التي يمر منها الغاز الروسي عبر خط أنابيب «ترك ستريم» في طريقه إلى أوروبا. كما تعد تركيا من أهم الوجهات السياحية لمواطني روسيا.

وعلى الجانب الآخر تتمتع تركيا بعلاقات متميزة مع أوكرانيا على الصعيد التجاري وفي مجال الصناعات الدفاعية، ففي عام 2021 بلغت الصادرات التركية إلى أوكرانيا قرابة الثلاثة مليارات دولار، والواردات قرابة أربع مليارات دولار ونصف. كما تشكل الصناعات الدفاعية أحد أهم أبواب التعاون بين تركيا وأوكرانيا، حيث تصدر تركيا إلى أوكرانيا الطائرات المسيّرة والزوارق البحرية، إضافة إلى أنظمة الصواريخ والذخيرة الذكية.

وتحتل تركيا موقعاً مهماً في الأزمة بفضل موقفها الحيادي وتمارس جهود الوساطة ك«وسيط» وليس كطرف في الحرب، وقد استضافت مرتين مفاوضات مباشرة بين الطرفين في 10 مارس على المستوى الوزاري في أنطاليا، وفي 29 مارس في إسطنبول، ويسعى الرئيس التركي إلى استضافة اجتماع قمة في إسطنبول بين الرئيس الروسي بوتين والأوكراني زيلينسكي. وتخشى تركيا من استحالة استمرار سياسة إمساك العصا من المنتصف حال سعي الأطراف لإطالة أمد الحرب في أوكرانيا.

*كاتبة إماراتية