الحرب الروسية - الأوكرانية هي شغل العالم الشاغل، حيث أصبحت نقطة المواجهة الأكثر سخونةً بين الدول الغربية من جهة وروسيا ومن معها من جهة ثانية، والجديد فيها أن العالم لم يعد منقسماً بين معسكرين شرقيٌ وغربيٌ ولكلٍ منهما حلفاء كما كان الوضع إبان الحرب الباردة، بل أصبحت هناك جبهة عالميةٌ تقودها بعض الدول العربية تدعو إلى إنهاء الحرب ونشر السلام وأولوية التهدئة.

أميركا الدولة الأقوى في العالم اكتشفت بالطريق الصعب أنها قد اتخذت سياساتٍ غير ودودةٍ تجاه عدد من الدول العربية ودول الخليج وهي تسعى لتعديل ذلك كله، والتصريحات والمواقف المعلنة والقرارات بدأت تظهر هذا الأمر بوضوحٍ وهو ما سيزداد في المرحلة القريبة القادمة، وقد كانت حرب روسيا وأوكرانيا أحد الأسباب التي أوضحت أن للسياسات المنحرفة ردود أفعالٍ مكلفةٍ حتى على أقوى دول العالم، وأنه بشيء من العقلانية والواقعية يمكن تجنب الكثير من الخسائر وتحقيق الكثير من المكاسب.

في بداية الحرب قادت أميركا ومعها بريطانيا تصعيداً غير مسبوقٍ ضد روسيا وهددت النظام العالمي بأسره الذي شاركت في بنائه وترسيخه، وعبرت بعض الدول الأوروبية عن مواقف أقلّ حدةً، ومع انتصارات روسيا على الأرض وتحديد أهداف عمليتها العسكرية ورفضها القاطع لتمدد «حلف الناتو» إلى أوكرانيا بدأت المواقف في التغير، فأزمات بحجم أزمة أسعار الطاقة وأزمة الغذاء العالمي ليست أمراً هامشياً ولا يمكن تجاوزه بسهولة.

الغريب حقاً هو أنه مع تعبير بعض الدول الأوروبية وبعض الجهات داخل أميركا عن مواقف أكثر عقلانية تجاه الحرب، إلا أن قادة أوكرانيا بدوا لا يسعون لهدنةٍ، بل يهاجمون كل من يعبر عن ذلك في الدول الغربية، سواء كانوا مفكرين أو مؤسساتٍ أو مسؤولين سياسيين، وهذا أمرٌ يحتاج لقراءة وتأملٍ، لأن المفترض بهم هو الفرح بأي هدنةٍ وأي تهدئةٍ لحماية بلدهم ومواطنيهم.

أقسى أنواع الهجوم تعرض له الخبير والمفكر الأميركي هنري كيسنجر، ثم توالت المواقف الصادرة من أوكرانيا في تتبع أي جهةٍ تدعو للتهدئة أو الهدنة للردّ عليها ومهاجمتها، ومن آخر ذلك الهجوم الذي تعرض له الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأنه دعا إلى عدم «إذلال روسيا» فكان الرد الأوكراني أن هذا الموقف هو«إذلالٌ لفرنسا» وهو هجومٌ غير مبررٍ وحدةٌ في غير موضعها. الأسلحة التي ترسلها أميركا والدول الغربية لأوكرانيا باتت تحت ضرباتٍ مباشرةٍ للقوات الروسية وأعلنت أميركا أنها لن تقدم أسلحة هجومية تهدد أمن روسيا تجنباً لأي تصعيدٍ حربيٍ قد تلجأ له روسيا.

قادة الدول العربية الفاعلة والحية مثل السعودية والإمارات اتخذوا مواقف عقلانية حكيمةٍ وواقعيةٍ مصلحيةٍ منذ بدء الأزمة وإلى اليوم، وهم على تواصل مع كافة أطراف الحرب في روسيا وأوكرانيا ومع كافة الدول الغربية وعلى رأسها أميركا، ومع كل الدول القوية في العالم، تفتيشاً عن أفضل الحلول وأيسر السبل لإنهاء الحرب ونشر التهدئة وصولاً إلى استعادة السلام. أخيراً، فروسيا بدت منذ أول يومٍ مصرةً إصراراً كاملاً على تحقيق أهدافها ولم تبد أي تراجعٍ عن ذلك، بينما شهدت أميركا والدول الأوروبية تراجعاتٍ متفاوتةٍ في الحجم والنوع، وبغض النظر عن أمد الحرب مستقبلاً، إلا أن الموقف الأوكراني الحاد يحتاج لمزيد تأملٍ وقراءةٍ.

* كاتب سعودي