أصبحت الصين ثالث دولة في السباق إلى الفضاء بعد إرسالها ثلاثة من رواد الفضاء في مهمة فضائية قد تستغرق ستة أشهر تبني خلالها أول محطة فضائية من نوعها، بعد أن أرسلت قبل عام إحدى قواعد محطتها «تيانغونغ» تمهيداً لبناء المزيد من القواعد والوحدات وإطلاق تلسكوب «شونشيان».. لتحتل الصين بذلك -وبلا منازع- الترتيبَ الثالثَ بعد روسيا والولايات المتحدة.

وتطمح الصين من خلال هذه الخطوة الكبيرة إلى أن تحل محل محطة الفضاء الدولية التي سينتهي نشاطُها في عام 2031، وتشغل مركزاً متقدماً على مستوى العالم لتطوير ما لديها من تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية لأغراض الاتصالات وإدارة الحركة الجوية والتنبؤ بالطقس والملاحة، وكذلك الأغراض العسكرية كتوجيه الصواريخ بعيدة المدى، وغير ذلك من الأعمال غير المعلنة خصوصاً في هذه المرحلة شديدة الحساسية التي يمر بها العالَمُ والمعسكرات التي بدأت تتكون في حراك عالمي أشبه بنظام عالمي جديد.

المشروع الصيني في الفضاء ليس جديداً فقد وضعت الصين أول أقمارها الاصطناعية في المدار عام 1970 حين كانت القوى التي استأثرت بالفضاء في تلك المرحلة هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا واليابان.

ويعتمد مشروعها الفضائي اليوم على عدة مراحل مجدولة تنتهي مرحلتُها الأولى هذا العام عند اكتمال محطة «تيانغونغ»، تليها مرحلة جمع عينات من كويكبات قريبة من الأرض، لتصل بحلول عام 2030 إلى إرسال أول روادها إلى سطح القمر وإرسال مجسات لجمع عينات من كوكبي المريخ والمشتري لتحقيق الهدف الأكبر وهو أن تصبح قوةً فضائيةً متقدمةً بحلول عام 2045، بعد أن تنتج مكوكاً فضائياً يعمل بالطاقة النووية.

ما سبق هو نقطة في بحر الصين المتلاطم بالإنجازات والطموحات لدولة مثابرة تفاجئ المجتمعَ الدولي بين فترة وأخرى بمستجداتها التقنية والاقتصادية والصناعية، وتبهر منافسيها بتطوير وتطويع التكنولوجيا والتقنيات بشكل أرعد فرائص الدول الصناعية الكبرى، وقد أصبحت حقيقةُ تَصدُّر الصين كقوة عالمية كبرى كابوساً يطارد الدول التي تتسيد قرار العالَم. ففي الوقت الذي تعاني دول كبرى في العالم من آثار جائحة كورونا والانهيارات الاقتصادية بسبب الجائحة والإغلاقات المتكررة للقطاعات الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة وتراجع الدخل.. فإن الصين تتفوق عالمياً، حيث يوشك نموها الاقتصادي أن يعود إلى مستوياته قبل عام 2020، بينما سجلت الولايات المتحدة تراجعاً في النمو بلغ 3.7 في المئة، كما تَراجعَ اقتصادُ بريطانيا بواقع 11 في المئة.

وعطفاً على هذا النمو الاقتصادي الذي لم تكبحه أزمة كورونا، فإن المخاوف الأوروبية والأميركية تزداد مع إغراق هذه الدول بالديون الصينية وبالتالي سيطرة الصين اقتصادياً وسياسياً، إلى جانب المخاوف الغربية الأخرى فيما يتعلق بمشروع طريق الحرير الجديد الذي سيربط كثيراً من الدول بعضها ببعض الآخر عبر مشاريع بنية تحتية هائلة وذكية وغير مسبوقة لربط التجارة العالمية عبر الصين.

وتتمثل قوة الصين في سياستها الاقتصادية التي فرضت هذا الحضور العالمي الذي يكاد يحتل مكاناً متقدماً على دول لم يكن من المتوقع يوماً أن تتراجع، أو أن تصبح الصين منافساً لدوداً لها، بدلالة أن الصناعات الصينية أصبحت تملأ البيوتَ والمكاتبَ ووسائلَ الحياة الحديثة في كل مكان من العالم، هذا فضلاً عن زخم حضور الصين السياسي الطاغي في السنوات الأخيرة الماضية، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط!

*كاتبة سعودية.