في نوفمبر 2019، أعلن إيمانويل ماكرون أن الناتو بات في حالة موت دماغي. ولكن الحرب التي شنها فلاديمير بوتين على أوكرانيا أعادت إحياء الحلف على نحو واضح. فاليوم، باتت هذه المنظمة أكثر وحدة وأكثر قوة من أي وقت مضى. والبلدان الأوروبية تضغط على الولايات المتحدة لكي تواصل حمايتها وتزيد من نفقاتها العسكرية من أجل شراء أسلحة منها. والسويد وفنلندا تخلتا عن حيادهما من أجل الانضمام إلى التحالف. 
غير أنه بعد نهاية الحرب الباردة وانقسام العالم إلى شرق وغرب، طُرح السؤال حول مسألة بقاء الناتو. فأي تحالف عسكري عموماً لا يستمر بعد اختفاء العدو الذي كان سبباً في إنشائه. ولكن في هذه الحالة، بقي الناتو لعدة أسباب. ذلك أن البلدان الأوروبية كانت ترى أنه إذا كان التهديد قد زال واختفى، فإن المجهول وحالة عدم اليقين حلاّ محله. وبالتالي، من الأفضل الحفاظ على بنية موجودة ومطمئِنة. ومن جهة أخرى، كانت الولايات المتحدة تدرك أن الإبقاء على الناتو يمثّل بالنسبة لها وسيلة للحفاظ على نفوذ في أوروبا. 
وهكذا، وبدلاً من أن يتقلص «الناتو» ويفقد أهمتيه، وجد ديناميةً جديدةً. البلدان التي كانت خرجت من حلف وارسو كانت تعتبر أن التحالف الأطلسي يمثّل البنية الوحيدة القادرة على تأمينها إزاء موسكو التي ظلت تخشاها على الرغم من أنها لم تعد عاصمة الاتحاد السوفييتي، وإنما عاصمة روسيا. فقامت واحدة بعد الأخرى بالانضمام إلى الناتو. وبعد أن كانت مترددة بشأن عمليات التوسيع، غيّرت الولايات المتحدة رأيها بعد أن اقتنعت بأن ذلك سيمنحها شركاء أقل تردداً أو ممانعة من شركاء «أوروبا القديمة». وأعطى بيل كلينتون إشارة الضوء الأخضر لانضمام بولندا قبل إعادة انتخابه في 1996 سعياً لاسترضاء الناخبين الأميركيين المنحدرين من أصول بولندية. وفي 2009، انضمت فرنسا إلى الهيئات العسكرية المندمجة للحلف، حيث كان نيكولا ساركوزي يرغب في التكفير عن الرفض الفرنسي لحرب العراق وطيّ تلك الصفحة. 
وفي 1999، وخلال الاحتفال بالذكرى العاشرة لسقوط جدار برلين والذكرى الخمسين لإنشاء الناتو، دخل هذا الأخير في حرب ضد يوغسلافيا من دون تفويض من الأمم المتحدة، وهو ما رأت فيه روسيا دليلاً على أن الناتو ليس تحالفاً دفاعياً خالصاً، ورأت فيه البلدان الأعضاء دليلاً على أنه يظل أساسياً ولا يمكن الاستغناء عنه. 
وفي 1991، نصح فرانسوا ميتيران بوقف عمليات توسيع الناتو في المستقبل محذراً من أن ذلك لن يؤدي إلا إلى إثارة حفيظة روسيا. كما حذّر جورج كينان، مخترع مفهوم الاحتواء، وهنري كيسنجر، من الأمر نفسه أيضاً. ولكن مسؤولي «الناتو»، أكدوا أنه لا يمكنهم منع بلدان من الترشح والانضمام إلى التحالف. وبغض النظر عن النقاشات حول الوعود التي قد تكون قدِّمت له أم لا بشأن عدم التوسع، يعتبر جورباتشيف نفسه أن الولايات المتحدة خانته رغم أنها تعهدت بعكس ذلك وفعلت كل شيء من أجل خلق نظام عالمي جديد تكون فيه الأمم المتحدة مسؤولة عن الأمن الجماعي، (وهو ما يفسّر تنديده بحليفه العراقي في 1990 بعد غزو الكويت). فالولايات المتحدة، في نظره، فضلت أن تكون المنتصرة في الحرب الباردة على أن تكون بانية نظام عالمي جديد. 
والواقع أن الناتو يشهد انحرافاً وظيفياً، إذ إنه يحتاج دائماً إلى شركاء جدد وإلى تحديد مهمات جديدة، وذلك لأن مسؤولي الحلف يريدون دائماً تبرير وجودهم. ومن جهة أخرى، توفّر المنظمة للأوروبيين حماية موثوقة يمكن الاعتماد عليها، ولكن ذلك يؤدي إلى اعتماد على الولايات المتحدة ويحول دون ظهور استقلال استراتيجي. والحال أنه لو كانت البلدان الأوروبية تستخدم الدولار كعملة، فإنها ما كانت لتخلق اليورو. 
الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا تؤجج هذا النقاش. فالصقور يرون أن روسيا كانت منذ البداية قوة مناهضة للغرب وتسعى إلى مراجعة التاريخ، وأن سلوكها يثبت أن توسيع الناتو وتقويته ضروريان وينبغي مواصلتهما. هذا في حين يرى آخرون أنه إذا كان الاعتداء الروسي غير مبرر، فإنه كان من الخطأ اعتبار روسيا بلداً مهزوماً في الحرب الباردة، وقوة إقليمية فقط (وفق تعبير باراك أوباما)، وليس شريكاً حقيقياً. 
وفي الأثناء، غذّى الاعتداء الروسي خطاب بايدن حول ضرورة خلق تحالف للديمقراطيات ضد محور البلدان الملتفة حول بكين وموسكو. هذا الأمر سيشكل، من دون شك، رهان قمة الناتو في مدريد التي من المرتقب أن تعقد في الثامن والعشرين من يونيو الجاري. فمن الواضح أن الولايات المتحدة ترغب في أن تجعل من الناتو تحالفاً استراتيجياً عالمياً موجهاً للتصدي لتزايد قوة الصين، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر تحويل الأمر إلى نبوءة ذاتية التحقق وخلق انقسام جديد للعالم إلى كتلتين متعارضتين. 

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس