تتوالى الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط، وإن بشكل تدريجي وحذر. كان ذلك قبل مجيء كورونا وأخواتها، وإبان أحداث سياسة واقتصادية عصفت بالمنطقة وهددت استقرارها. ثم تأثرت مجدداً بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث ما تزال كييف عصية على السقوط، وما يزال الغرب عاجزاً عن طرح حلول سلمية تنهي الحرب أو تقديم دعم عسكري نوعي لحليفته أوكرانيا، رغم حرصه على تحجيم قوة روسيا وتحطيم هيبتها ودورها المحوري في المعادلات الدولية. ومن هنا يأتي انقسام العالم (شرقاً وغرباً) حول حرب جديدة لم تحسم نتائجها بعد، ولم ترسم ملامح نهايتها أو وجهة التطورات في ميدان معاركها.
ومن التطورات اللافتة ما حدث في باكستان، في إبريل الماضي، من إسقاط لعمران خان من رئاسة الحكومة، بعد أن وضع بلاده في عزلة وأدخل علاقاتها بالمنطقة العربية (وتحديداً دول الخليج العربية) في حالة من البرود، لحيل محله شهباز شريف الذي فاز بثقة الشعب الباكستاني، وزار المملكة العربية السعودية في أول زيارة خارجية له، في ما يمثل رسالةً واضحةً حول ملامح السياسة الباكستانية الجديدة، حيث صرح بأن «المملكة أقوى وأعظم حليف لنا». وتزامنت زيارة شريف مع عودة العلاقات السعودية التركية على نحو هادئ ومتوازن، بعد أن كانت شبه مقطوعة منذ أعوام لأسباب معروفة. واتضح هذا الانفراج جلياً مع تبادل الزيارات الرسمية على أعلى مستوى بين جمهورية تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عادت العلاقة بين الجانبين لِما كانت عليه من قبل. كما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مدينة جدة والتقى القيادة السعودية وأعطى هو أيضاً تصريحات إيجابية جداً بعد لقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
وبعد هذه الزيارات الرسمية لزعماء باكستان وتركيا إلى السعودية، نتساءل: هل تشهد المنطقة تحالفاً إسلامياً جديداً بعد فشل المحاولات العربية السابقة؟ لا نستبعد ذلك، لاسيما أن هذه الدول تربطها علاقات دينية ومذهبية وتاريخية مشتركة، وهي علاقات يمكن استثمارها بعد انفتاح المملكة العربية السعودية على الشرق، وتقوية العلاقات مع روسيا والصين وكوريا الجنوبية، إثر ما شاب العلاقة مع الولايات المتحدة من برود عقب مجيء «الديمقراطيين» إلى سدة البيت الأبيض.
وتعد الزيارات المتواصلة من قبل تركيا وباكستان للمملكة العربية السعودية بمثابة بوادر انفتاح واضح وربما مقدمةً لولادة تحالفات جديدة قد تشهدها المنطقةُ، لاسيما أن المملكة العربية السعودية تشكل ثقلاً إسلامياً واقتصاداً مهماً، وينظر لها العالمُ الإسلاميُ باهتمام واحترام كبيرين، وكذلك باكستان التي هي دولة إسلامية كبيرة تمتلك السلاح النووي، إلى جانب تركيا ذات القوة الاقتصادية والصناعية والعسكرية الكبيرة وبثقلها الإقليمي المعروف وبموقعها الاستراتيجي الرابط بين شرق العالم وغربه. ولعلها العوامل التي جعلت رئيسَها يتجه نحو المملكة العربية السعودية لفتح صفحة جديدة من العلاقات الأخوية الثنائية، تاركاً الماضي خلفَه غير آبه بالخلاف السابق الذي أضر باقتصاد بلاده، واثقاً من عودة العجلة إلى السكة من جديد لجذب السياحة والاستثمار السعوديين اللذين يشكلان مصدراً مالياً مهماً لأنقرة، لتنطلق العلاقات نحو مستقبل أفضل وأكثر قوة ومتانة وثقة وأماناً.. بعد أن خذله الغرب أكثر من مرة، ليجد نفسه حليفاً مرحباً به في محيطه الإقليمي، والذي ينظر إلى تركيا بوصفها جزءاً من عمقه الاستراتيجي المهم.
إذا صدقت النوايا وأثبتت التحاليل الإخبارية دقتها ومصداقية تنبؤاتها، فالمنطقة قد تكون بصدد قيام تحالف إقليمي قوي ومتين، لحماية مصالح دولها وللحفاظ على أمنها من التدخلات الخارجية والأطماع الدولية!

كاتب سعودي