في السنة الثالثة من عهد الرئيس ميشال عون في ربيع 2019، بدأت تظهر مؤشرات «الدولة الفاشلة» التي تفاقمت في السنوات اللاحقة. ويبدو أنها مستمرة ومتراكمة، حتى نهاية العهد في 31 أكتوبر المقبل، بما يهدد حياة اللبنانيين بخطر دائم، خصوصاً أن معظم التوقعات تشير إلى استمرار الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي، ليبلغ لبنان أقصى درجات الاهتراء، ويعصف الجوع والمرض بمختلف شرائح المجتمع، في ظل فقدان الدواء والمواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، وعجز المؤسسات والإدارة والقضاء، وانهيار القطاع الصحي والاستشفائي، فضلاً عن اشتداد عزلة لبنان الخارجية نتيجة انعدام ثقة المجتمعين العربي والدولي، حيث يعاني هذا البلد الصغير من تداعيات حصار إقليمي ودولي تتجلى في أزمة سيولة «دولارية» وصعوبات في فتح الاعتمادات المصرفية لمستورداته التي يعتمد عليها لتأمين 90% من حاجاته الاستهلاكية. 
وفي هذا السياق، تبرز ممارسات «الدولة الفاشلة» في ملف النفط والغاز ومعالجة مشكلة ترسيم الحدود البحرية. وفي الأثناء تواصل إسرائيل نشاطها، وتسعى إلى فرض أمر واقع حول حقل «كاريش»، وربط المنصة العائمة التابعة لشركة «إينرجين» اليونانية بالنسخة البحرية من القبة الحديدية، تمهيداً للبدء بالحفر والإنتاج، مجددةً التحذير من أن «أي ضرر تتعرض له المنصة، سيكون بمثابة إعلان حرب». أما لبنان الرسمي فهو مستمر في محاولات احتواء الموقف من خلال تحريك ديبلوماسيته في اتجاهات عدة، بانتظار زيارة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين لبيروت غداً (الأحد)، والبحث في استكمال مفاوضات الترسيم، وإنهائها بأسرع وقت ممكن، مع الأخذ بالاعتبار الخلاف السياسي القائم بين فريق يؤيد الخط 23 ويتمسك بالمرسوم رقم 6433 الصادر عام 2011 والمودع لدى الأمم المتحدة، وفريق آخر مدعوم من قيادة الجيش، يطالب بتعديل هذا المرسوم وزيادة المساحة المتنازع عليها من 865 كيلومتراً مربعاً إلى 2165 كيلومتراً، بما يجعل البلوكات الشمالية الإسرائيلية كلها موضع نزاع، مع العلم أن المسوحات (ثنائية وثلاثية الأبعاد) للبلوكات المحاذية للحدود، تشير إلى وجود مكامن مشتركة. وحرصاً من الجانب الأميركي على دعم الجانب الإسرائيلي، فهو يرى أن تهدف المفاوضات إلى إيجاد حل يسمح للطرفين بالاستفادة من تلك الموارد.
وقد سبق للبنان أن وجّه رسالةً إلى الأمم المتحدة في فبراير الماضي تؤكد على تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، وأن حقل «كاريش» يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها، وطلب من مجلس الأمن الحيلولةَ دون قيام إسرائيل بأي أعمال تنقيب فيها، وذلك تجنباً لخطوات قد تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. لكن رغم أهمية هذه الرسالة فهي لم تكن كافية، وفق ما يؤكده رئيس الوفد اللبناني (السابق) العميد بسام ياسين، لأنها لم تترافق مع تعديل للمرسوم 6433، لجهة تثبيت الإحداثيات التي وضعها الجيش اللبناني للحدود وفق الخط 29 لدى الأمم المتحدة، خصوصاً أن هذا التعديل سبق أن أعد بمرسوم جديد وقّعه في أبريل 2021 وزيرَا الدفاع والأشغال العامة والنقل، وكذلك رئيس الوزراء (في حينه) حسان دياب، ثم رفع إلى الرئيس ميشال عون الذي لم يوقعه حتى الآن، وجمده في أدراجه طيلة 420 يوماً، دون معرفة الأسباب الحقيقية سوى المماطلة والتسويف والخوف من الفشل، فضلاً عن مكاسب سياسية أراد المسؤولون في السلطة تحقيقَها. لذلك يرى العميد ياسين أن المطلوب الآن هو اتخاذ خطوات سريعة بتعديل المرسوم وتأكيد الرسالة إلى مجلس الأمن، وإنذار الشركة اليونانية بوقف العمل فوراً، مع تحميل السلطة مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في هذا الملف الحيوي والإستراتيجي، ومن تهديد لهدر كبير في ثروات لبنان البحرية.


*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية