مما لا شك فيه أن التعليم هو أساس نهضة الأمم ومقياس تقدم المجتمعات؛ إذ كلما تقدم التعليم في مجتمع ما وارتبط بقوة بثقافة وحضارة ولغة وتاريخ ذلك المجتمع، أصبح التعليم مرآة أفراد المجتمع الذي ترتكز عليه جميع خطط وبرامج التنمية الشاملة لاستنادها في المقام الأول على العنصر المواطن، وهذا ما تعمل عليه قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيامها. والشواهد على نجاح السياسات التعليمية عديدة، إذ أفرزت كفاءات وطنية في العديد من المجالات سواء حقل التعليم نفسه، أو الفضاء والقضاء والهندسة والطب والأمن وغيرهما، إضافة إلى تميز الدولة الواضح في حقل التعليم والتدريب المهني التخصصي.

وتأتي الهيكلة الأخيرة في قطاع التعليم باكورة القرارات الوطنية الرائدة في بداية عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وذلك لتأكيد رؤية الحكومة في تطوير ذلك المجال الحيوي.

والأمر اللافت للنظر أن تلك الهيكلة جاءت في كافة مكونات «جسد» التعليم في الدولة لتمنحه دفعة قوية في مختلف المستويات، وفي مقدمتها مجلس التعليم والموارد البشرية والمختص بوضع رؤية التعليم على مستوى الدولة، وإقرار أهداف ومستهدفات مخرجات التعليم لجميع المراحل التعليمية، وإقرار الإطار العام والسياسات والاستراتيجيات والتشريعات والأنظمة التعليمية لجميع المراحل التعليمية، ومتابعة أداء قطاع التعليم ومدى تحقيقه للمخرجات المطلوبة وتوافقها مع متطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية. ثم يلي ذلك المجلس، إنشاء هيئتين اتحاديتين للمرة الأولى في تاريخ التعليم في الدولة.

الهيئة الأولى هي الهيئة الاتحادية لجودة التعليم، وتتبع مجلس الوزراء، وستكون مسؤولة بشكل رئيسي عن قياس جودة المخرجات التعليمية وأداء الطلبة وكفاءة العملية التعليمية في كافة المراحل المتعلقة بالطفولة المبكرة ورياض الأطفال والتعليم العام الحكومي والخاص لضمان المواءمة مع أهداف ومستهدفات مخرجات التعليم المعتمدة، والعمل على التطوير والتحديث المستمر للأدوات والمسوحات المناسبة لقياس جودة المخرجات التعليمية في جميع المراحل التعليمية من الطفولة المبكرة إلى التعليم العالي.

والهيئة الثانية هي الهيئة الاتحادية للتعليم المبكر، وتختص بوضع وتنفيذ خطط شمولية للاهتمام بالطفل منذ ولادته وحتى الصف الرابع تعليماً، وصحةً، ومهارات، وبناء شخصيته وهويته الوطنية، إضافة إلى تطوير الأطر والمتطلبات اللازمة لتطوير مهارات وشخصية وخيال وصحة وحماية الطفل، والإشراف على تطوير بيئة التعليم في هذه المراحل لتمكين الطفل من تطوير مهاراته وشخصيته.

وأخيراً هناك مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، وتختص بشكل رئيسي في إدارة وتشغيل المدارس ورياض الأطفال الحكومية، والرقابة على المدارس الحكومية في الدولة وتنفيذ برامج وخطط للتطوير والتحسين، وكذلك الإشراف على إعداد وتنفيذ الاختبارات المستمرة والمركزية، وقد جاء قرار إنشاء مدارس «الأجيال» أولى قرارات تلك المؤسسة في الحقبة التعليمية الجديدة. ولعلنا في هذه المرحلة الجديدة نتطلع إلى تضافر جميع الجهود الوطنية لإنجاح الهيكلة الجديدة لقطاع التعليم، كما نأمل من القيادات التعليمية الجديدة التركيز أيضاً على عدة نقاط جوهرية وذلك لضمان النجاح الشامل بإذن الله.

وفي مقدمة تلك النقاط الكادر الوطني في قطاع التعليم والذي بحاجة ماسة إلى ضرورة تطوير أوضاعه بشكل عام، والأخذ بمقترحاتهم وأفكارهم باعتبارهم قادة «الخط الأول» في التعليم، أضف إلى ذلك ضرورة منح دفعة أكبر للتعليم والتدريب المهني، وذلك للأهمية المتنامية للمهارات في سوق العمل.

وأخيراً الاهتمام بصورة أكبر بمنظومة المؤهلات الوطنية وتطويرها، وخاصة في مجال الاعتماد الأكاديمي لمخرجات قطاع التعليم والتدريب المهني.

* باحث إماراتي