إذا كان لبنان وإسرائيل ممنوعين وفق القوانين الدولية من التنقيب عن النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها، وخلافاً لذلك تستعد إسرائيل للتنقيب والحفر في حقل «كاريش» الذي يقع جزءٌ منه في مياه لبنانية، وعلى افتراض قبول تصديق ما تدعيه بأنها تقوم بعملياتها في الجزء الإسرائيلي من الحقل، فلماذا يُمنع لبنان دولياً، ومن قبل الشركات متعددة الجنسيات، من الحفر والتنقيب في المناطق غير المتنازع عليها داخل مياهه؟

لقد غادر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، لبنانَ الأربعاء الماضي، وهو متفائل بالموقف الموحّد الذي سمعه من الرؤساء الثلاثة (ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي)، ويتلخص في ديمومة دور الوسيط الأميركي ورعاية الأمم المتحدة للمفاوضات غير المباشرة المرتقبة مع الجانب الإسرائيلي، والتركيز عل الخط 23 كخط «حقوقي»، مع الحصول على حقل قانا كاملا. أما بالنسبة للخط 29، فقد تم تجاهله تجنباً «للتوتر والتصعيد العسكري».

لكن مصادر حكومية أشارت إلى إمكانية تعديل المرسوم 6433 بهدف اعتماد خط جديد ينطلق من الناقورة، ويتوسع فيضم حقل قانا، ثم يمتد جنوباً ليضيف مساحة قليلة لا تلامس الخط 29، ولا تتضمن حقل «كاريش».

وفي سياق الحرص على تجنب أي «مواجهة عسكرية»، أكد الموقف اللبناني على الطلب من إسرائيل وقفَ الأعمال في المنطقة الحدودية، وقد تم التفاهم على أنه بانتظار توقيع الاتفاق يُسمَح للشركات الأجنبية بأن تباشر عملها في البلوكات غير المتنازع عليها.

ولوحظ أن هذا الموضوع يناسب كثيراً الجانبَ الإسرائيلي، لأن الشركات الملتزمة جاهزة للعمل، خصوصاً أن منصة «نيرجن باور» موجودة في حقل «كاريش». وهو الوضع غير المتوافر للبنان، إذ أن الشركات الملتزمة طلبت التأجيل مرات عدة ولأسباب مختلفة.

وكان يفترض أن ينتهي عقد «توتال» الفرنسية بوصفها المشغل لائتلافها مع شركتي «إيني» الإيطالية و«نوفاتيك» الروسية في مايو2021، إلا أنه بفعل إجراءات كورونا، جرى تمديد فترة الاستكشاف إلى 22 أكتوبر المقبل، ثم جرى التمديد مؤخراً بقرار من مجلس الوزراء للبلوك 4 لغاية 21 نوفمبر 2025، وللبلوك 9 لغاية 19 مايو 2028.

وسبق لشركة «توتال» أن حفرت بئراً في النصف الأول من 2020 في البلوك 4، لكنها أشارت إلى «خيبة أمل»، وخففت من احتمال وجود غاز في البلوك 9. إلا أن المسؤولين لم يقتنعوا بموقفها، وخصوصاً رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أكد وجود الغاز، ووصف الشركة بأنها تخضع لضغوط سياسية دولية، تعود لأسباب جيوسياسية تتعلق باستثمارات الشركات العالمية المتعددة الجنسيات.

وتأتي هذه التطورات السلبية، مع فشل جولة التراخيص الثانية التي تشمل 5 بلوكات في شمال لبنان وجنوبه، والتي أطلقت في 31 يناير 2020، وقد تأجلت مرات عدة، وانتهت آخر مهلة في 15 يونيو الحالي من دون أن تتقدم أي شركة للمشاركة وتقديم عروضها، الأمر الذي يدل على موقف دولي وإقليمي، يؤكد على حصار سياسي واقتصادي، نتيجة فشل منظومة العهد الحاكمة في إدارة سياسة لبنان الخارجية، وعلاقاته الدولية.

وربما لهذا السبب طلبت الشركات تأجيل أعمالها، إلى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر المقبل، على أمل أن يشهد هذا البلد الانفراج السياسي والإنقاذ الاقتصادي في العهد المرتقب.

عدنان كريمة*

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية