لم يتوقع أحدٌ حدوثَ أزمة غذائية عالمية تمس العالَمَ كلَّه بهذا الحجم من الخوف والقلق، لاسيما في كثير من الدول المستهلكة وغير المنتجة للحبوب الغذائية، مثل القمح والأرز والذُّرَة إضافة إلى الزيوت.

ولعل كثيرين تفاجؤوا بأن أغلب الدول العربية كانت تستورد هذه الأغذية بنسب كبيرة من أوكرانيا، كما لو أن الأمر أحد موضوعات المسكوت عنه قبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ 24 فبراير الماضي، والتي لا أحد إلى الآن يعلم أين ومتى وكيف تتجه تطوراتها بين البلدين ولا حجم انعكاساتها على الدول الأخرى، المحيطة منها بساحة الحرب و البعيدة عنها على حد سواء.

لكن الواضح أن تداعيات الحرب بدأت تتطور وتتسع بشكل مقلق، حتى اقتربت من تسميتها بـ«الحرب العالمية الثالثة». والحرب ليس لها وجه أنثوي جميل، بل كل وجوهها مكفهرّة كريهة، لاسيما أن هناك أطرافا مستفيدة تصب الزيت على النار، دون اكتراث لقتل الأرواح وإزهاق الأنفس ولا لمعاناة المهجرين واللاجئين.. بل تتاجر هذه الجهات بأرواح البشر ومصيرهم بلا رحمة وبدون وازع إنساني!وما زالت الحرب مشتعلة، تدك المصانع والمنشآت المنتجة للأغذية، وكأنه من المتعمد قطع الإمداد الغذائي عن العالم وتجويع شعوبه واستغلال حاجتها للغذاء. والسؤال المتداول في الشارع العربي: أين الأنهر العربية التي تصب مياهها في البحار وتذهب سُدًى؟

ولماذا لا تستثمر الأراضي العربية الشاسعة في الزراعة والإنتاج الغذائي، لكي لا يظل العالم العربي منكشفاً في أمنه الغذائي أمام أي أزمة عالمية أو إقليمية من هذا النوع أو غيره؟

لقد كشفت حربُ أوكرانيا حاجةَ الدول المستهلكة لكبار المنتجين الزراعيين من أمثال روسيا وأوكرانيا، حيث تسببت الحرب وما ارتبط بها من عقوبات اقتصادية في رفع أسعار الأغذية على نحو فاق طاقة الدول الفقيرة وبات يهدد مستقبل الطبقات محدودة الدخل في البلدان العربية، خاصة بعد ما عانته بسبب جائحة كورونا! مثل هذه الأزمة، وما ترتَّب عليها من ارتفاعٍ في أسعار المواد الغذائية وشحٍ في إمداداتها، تبين لنا ما كان خافياً ولم نكتشفه قبل اليوم، وهو أن أوكرانيا واحدة من سلال الغذاء المهمة بالنسبة للعالم، إلى جانب روسيا بطبيعة الحال.

كان ينبغي للدول العربية أن تتعلم الدروس من أزمات سابقة، وأن تعمل على تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي، خاصة الدول التي عرفت بالزراعة والري بفضل ما أنعم الله عليها به من موارد طبيعية، من مياه وأنهر وأراضي خصبة شاسعة صالحة للزراعة، إلى جانب اليد العاملة الوفيرة.

عسى أن تتجه هذه الدول الآن إلى تشجيع ودعم المزارع النشط والفلاح المنتج والعامل الزراعي الجاد.. حتى يفلحوا الأرض ويزرعوها وينتجوا المحاصيل الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي المحلي، بدلا من استيراد الأغذية وشرائها بمبالغ باهظة من العملة الصعبة، عن طريق الوسطاء والوكلاء والسماسرة من تجار الحروب الذين يتحينون الفرص في مثل هذا الأزمات ويعرفون كيف يستغلونها أشد استغلال.

د. علي القحيص*

*كاتب سعودي