حذّرت إدارة بايدن مؤخراً من ازدياد حالات الإصابة بجدري القرود في الولايات المتحدة، حيث تم التعرف على نحو 50 إصابة بهذا المرض الفيروسي في 15 ولاية، علاوة على مقاطعة واشنطن، وهو ما يمثّل ارتفاعاً مقارنة مع 20 إصابة قبل أسبوع من ذلك التحذير. لكن الإدارة أكدت أن الخطر بالنسبة للجمهور يظل منخفضاً، وأن وكالات الصحة العامة تمتلك الأدوات الضرورية لحماية الناس.

وقال راج بنجابي، الذي يقود جهود الأمن الصحي العام في البيت الأبيض، في إحاطة إعلامية: «لدينا اختبارات لجدري القرود، ولدينا لقاحات لجدري القرود، ولدينا علاجات لجدري القرود»، مضيفاً: «ولدينا مقاربة متعددة الجوانب لاستخدام تلك الأدوات من أجل محاربة هذا التفشي على النحو الأكثر فعاليةً».

وقد تم رصد أكثر من 1300 حالة إصابة بجدري القرود عبر العالم، في وقت يبدو فيه أن المرض، الذي سبق له أن ظهر بشكل متكرر في وسط أفريقيا وغربها خلال العقود الأخيرة (لكنه نادراً ما انتشر بين البشر)، أخذ يكتسب لنفسه موطئ قدم في بلدان مثل ألمانيا والبرتغال والمملكة المتحدة.

ووفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن الإصابات الحالية من المحتمل أن تصبح أسوء تفشٍ لجدري القرود يسجل في الولايات المتحدة على الإطلاق، متجاوزةً تفشي عام 2003 الذي تم فيه تأكيد أو رصد 47 إصابة في 6 ولايات أميركية. لكن خبراء في الصحة العامة أكدوا على أن جدري القرود يطرح خطراً أقل بكثير من وباء فيروس كورونا، الذي قلب العالم منذ عام 2020 وتسبب في وفاة أكثر من مليون أميركي.

وقال دون ميلتون، العالم البيئي بجامعة ميريلاند الذي كان مستشاراً للبيت الأبيض، بخصوص محاربة وباء فيروس كورونا، في مقابلة معه: «أعتقدُ أن هذا لن يكون مثل أي شيء سبق لنا أن رأيناه مع كوفيد-19، وليست هناك ضرورة لأن يقلق الجمهور العام كثيراً بشأنه في الوقت الراهن». وقالت مديرة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، روتشيل فالينسكي، في إحاطة إعلامية قبل بضعة أيام: «لئن كان جدري القرود يواصل الارتفاع، فإنني أريد التأكيد من جديد على أنه ليست هناك أي وفيات حتى الآن مرتبطة بهذا التفشي».

وأضافت تقول: «وإذا كان الخطر الإجمالي لجدري القرود على جمهور الولايات المتحدة متدنياً في الوقت الحالي، فإننا نريد أن يكون الناس واعين بالأعراض وأن يطلبوا الرعاية فوراً إن اعتقدوا أنه يمكن أن تكون لديهم أعراض جدري القرود».وتشمل أعراض جدري القرود الحمى والصداع وطفح جلدي يبقى لأسابيع. ورغم أن جهات الرقابة الفدرالية لم تعتمد علاجات معينة لجدري القرود، إلا أن مسؤولين قالوا إن العلاجات واللقاحات المعدة لمحاربة الجدري، وهو فيروس من العائلة نفسها وتنتج عنه أعراض أشد، متاحة من خلال «المخزون الوطني الاستراتيجي».

وقالت دون أوكونل، الوزيرة المساعدة المكلفة بالجاهزية والرد بوزارة الصحة الأميركية: «إن المخزون الوطني الاستراتيجي يحتوي على ما يكفي من اللقاحات لتلقيح ملايين الأميركيين إن استلزم الأمر». وأضافت أن لدى المسؤولين أكثر من 100 مليون جرعة من لقاح قديم ضد الجدري، «إيكام 2000»، وحوالي 72 ألف جرعة من لقاح أحدث ضد الجدري أُقر استخدامه ضد جدري القرود أيضاً، وهو عقار «جينيوس». كما يتضمن المخزون أيضاً احتياطيات من علاجات مضادة للفيروسات مثل «تيكوفيريمات» و«سيدوفوفير»، وفق مسؤولين.

وأشار مسؤولون فدراليون إلى أن تفشي جدري القرود كان وراءه أميركيون سافروا إلى الخارج. وفي هذا الصدد، قالت جينفر ماكيستون، مديرة الإصابات المكلفة بالرد على جدري القرود في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها: «أعتقد أن معظم المصابين في الولايات المتحدة يفيدون بسفرهم خارج البلاد مما أدى على الأرجح إلى إصابتهم بجدري القرود».

عدد من الإصابات الأميركية تم ربطها أيضاً بالاتصال الجنسي، كما يقول مسؤولون، ما دفعهم إلى التحذير بشأن الخطر الذي يلعبه الاتصال الجسمي المباشر في نشر الفيروس. لكن بعض الخبراء تساءلوا ما إن كان جدري القرود يمكن أن ينتشر من خلال الهواء، وهو ما يذكّر بجدل قديم ظهر في وقت مبكر من فيروس كورونا. ولئن كانت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ووكالات أخرى للصحة العامة قد أعلنت في البداية أن فيروس كورونا لا ينتقل عبر الهواء، فإنها تراجعت عن ذلك في 2021، إذ حذّرت إدارة بايدن بشكل متزايد من أن الهواء في الأماكن المغلقة يُعد محركاً رئيسياً لإصابات فيروس كورونا

. هذا وكانت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها قد شجعت المسافرين على ارتداء الكمامة كإجراء احتياطي ضد الإصابة بجدري القرود، لكنها سرعان ما ألغت التوصية في الأسبوع التالي، قائلةً إن التوجيه غير ضروري ويؤدي إلى خلق ارتباك وتشويش. وأشار مسؤولو الإدارة إلى أنه ليس لديهم أي سبب للاعتقاد بأن جدري القرود ينتشر عبر الهواء.

وفي هذا الصدد قالت فالينسكي: «عندما نبحث العدوى المنقولةَ عبر الهواء في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإننا نتحدث عن جزيئات فيروسية صغيرة تصبح معلَّقة في الهواء ويمكن أن تبقى هناك لمدة زمنية طويلة»، مضيفةً: «لكننا لم نر ما يدعم ذلك من خلال تجربتنا مع هذا الفيروس أو مع فيروسات مماثلة سابقة». خبراء خارجيون، مثل ميلتون، قالوا إنهم ينتقدون قرار مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها التراجع عن التأكيد على إمكانية انتقال العدوى عبر الهواء بالنسبة لجدري القرود، ولاسيما لأن منظمة الصحة العالمية أكدت أن الانتشار عبر الهواء ممكن.

وقال ميلتون: «إنني لا أفهم الأمر حقاً»، مشيراً إلى أدلة على أن الجدري ينتقل عبر الهواء. وأضاف يقول: «إذا لم نولِ انتباها إلى إمكانية انتقال العدوى عبر الهواء لمسافة قصيرة، فإن ذلك يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بجدري القرود».

دان دايموند*

*كاتب متخصص في الشؤون الداخلية الأميركية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»