يتمتع عنصر الرصاص بتاريخ طويل ومظلم، حيث أدرك البشرُ آثارَه الضارةَ والمميتةَ منذ الحضارة اليونانية والرومانية، وربما قبل أكثر من خمسة آلاف عام. لكن للأسف، ما يزال التسمم بالرصاص يحصد أرواح حوالي مليون شخص سنوياً، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.

ورغم أننا جميعاً في خطر عند التعرض للرصاص، إلا أن هناك ثلاث مجموعات بالتحديد يتضاعف الخطر لديهم بقدر هائل، وهم الأطفال دون سن الخامسة، والأمهات الحوامل والمرضعات، ومَن تتطلب مهنُهم ووظائفُهم التعاملَ مع الرصاص بشكل يومي. ورغم الإدراك الواسع بخطورة تلك المشكلة، واتخاذ العديد من الدول إجراءات فاعلة تجاهها، فإنها ما زالت تشكّل مصدرَ قلق عميق لمسؤولي الجهات الصحية الوطنية والعاملين بقطاع الرعاية الصحية.

وتكمن مشكلة التسمم بالرصاص في أن أعراضه وعلاماته، غالباً ما تكون خفيةً غير واضحة للعيان، وغير محددة، مثل الإمساك، والمغص، والأنيميا.

لكن، يكمن الخطر هنا في التأثيرات السمية على الجهاز العصبي المركزي، والتي تتفاقم تدريجياً بشكل خفي، وخصوصاً في الأطفال كون جهازهم العصبي ما يزال في مرحلة نمو وتطور، مما يجعله أكثر عرضةً للتأثيرات السمية. وتتمتع أعراض التسمم بالرصاص في هذه الفئة العمرية بمدى واسع من الشدة والخطورة، بدايةً من مجرد سلوك عصبي انفعالي، أو بطء في التفكير، لتصل في أقصى مداها إلى التهاب المخ، والغيبوبة، والوفاة.

ولا يسلم أيضاً البالغون من التسمم بالرصاص، والذي قد يؤدي لاضطرابات وأمراض خطيرة في القلب والشرايين وفي الكليتين. وتتعدد وتتنوع مصادر التسمم بالرصاص، مثل وقود السيارات قديماً، والذي كان يحتوي على الرصاص وتم منع استخدامه منذ عقود، ومواسير مياه الشرب في المنازل المصنوعة من الرصاص، والتي استبدلت هي الأخرى بالمواسير البلاستيكية، ودهانات الحوائط والديكورات المحتوية على الرصاص.

ومؤخراً، تزايد تواجد عنصر الرصاص في بعض وصفات الطب الشعبي، ومستحضرات التجميل، والمجوهرات والحلي رخيصة الثمن، وبعض معدات صيد الأسماك.. وهي المكونات التي يمكن للأطفال أن وضعها في الفم، ومصها لفترات طويلة، أو حتى ابتلاعها.

وحديثاً، زاد خطر التعرض للتسمم بالرصاص، نتيجة زيادة ممارسات إعادة تدوير الرصاص الموجود في بطاريات السيارات، وهو النشاط الاقتصادي الشائع في الدول الفقيرة، ويتم غالباً في ظروف سيئة تعرِّض الشخص لكميات كبيرة من الرصاص بشكل يومي. وحديثاً أظهرت بعض الأبحاث التي أجريت في الولايات المتحدة، وجود ارتباط وتلازم قوي بين تراكم عنصر الرصاص في البيئة وبين مستويات جرائم العنف. وهو في رأي البعض ما قد يفسر جزءاً من أسباب ارتفاع معدلات جرائم العنف في المدن الكبرى، والتي يتميز هواؤها بمعدلات أعلى من التلوث البيئي بالرصاص، مقارنةً بالمدن الصغرى، والمناطق الريفية.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية