مع دخول الدول الكبرى سباق التسلح مجددا، والحديث عن دعم أوكرانيا العسكري، وحالة الاستنفار في دول «الناتو«، وقيام كل من الصين وروسيا، والولايات المتحدة وكوريا الشمالية بتحركات استراتيجية سواء في ترتيب لتدريبات، ومناورات عسكرية متعددة تحسبا لأية تطورات جارية في مسارات الأزمة الراهنة، يتجدد السؤال: ماذا عن مستقبل الاتفاقيات النووية الدولية خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي تحكم الاستقرار العالمي في ظل مقاربات منضبطة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، واستمرت أثناء وبعد الحرب الباردة؟

وهناك العديد من السيناريوهات في حال تفكك هذه الاتفاقيات الدولية، والخاصة بضبط التسلح وترتيبات الأمن، والتي التزم بها الجميع، وإن كان بعض هذه الدول لم يوقع على بعضها فيما وقع البعض الآخر، ولم يقم بالتصديق عليها، ومنها اتفاقية منع الانتشار النووي، والتي سمحت بمراوغات بعض الدول، ومنها إسرائيل وإيران وكوريا الشمالية وغيرها، وسمحت بكثير من مسارات التحرك المباشر، ومخالفة بنود بعض هذه المعاهدات التي تعلقت بالانتشار النووي، والأمان النووي ووضع قيود على إنتاج السلاح النووي، وفرضت قيودا تتابعها الوكالة الدولية عبر أنظمة التحقق في المواقع.

أما في الوقت الراهن فقد بدأت بعض الدول تختبر قدراتها الصاروخية مثل كوريا الشمالية، وتعيد تشكيل منظومة صواريخها النووية صغيرة ومتوسطة المدى، إضافة إلى اختبار مناطق التماس التي تتحرك فيها، فيما عملت دول «الناتو» على مراقبة ما يجري، خاصة أن دول مثل فرنسا لها وجهة نظرها، فيما يجري ويهدد أمن العالم، وسبق وأن حذر الرئيس ماكرون من تداعيات ما يجري إذا لجأ أي طرف للتهديد باستخدام السلاح النووي، أو تعمد التلويح به، كما أن دول النادي النووي تتحدث عن استراتيجية للردع، ومع ذلك يقومون بسلوك مخالف ففي مجلس الأمن التزمت الدول النووية بعدم استخدام السلاح النووي، أو التهديد باستخدامه ومع ذلك يحدث هذا.

ويستمر هذا المنطق في منظومة الصراع الراهن بين أوكرانيا وروسيا، خاصة أن الترتيبات الاستراتيجية لمرحلة ما بعد انتهاء العمليات العسكرية لم تبدأ بعد، وهو ما قد يدفع لإقرار استراتيجيات جديدة لبعض الدول، خاصة الدول الكبرى، ومخاوف الدخول في مرحلة تسوية الصراعات عبر توظيف القوة العسكرية، التي ستهدد استقرار النظام العالمي عبر الدخول في مرحلة حاسمة، ومهمة عنوانها الدخول في حالة من الفوضى المباشرة، والتي ستهدد مستقبل الاتفاقيات الدولية الخاصة بعدم استخدام السلاح النووي، أو حتى الأسلحة في مناطق وبؤر الصراعات الإقليمية، والدولية الحالية والمتوقعة.

إن الإشكالية الحقيقية في كيفية أن يصل العالم لمرحلة من الاستقرار السياسي في ظل تجدد الصراعات بصورة تتطلب مراجعة مجمل المواقف، والتوجهات التي تقد تكون سببا في مزيد من التوتر خاصة أن التنظيم الدولي الحاكم لمسارات، واتجاهات الأوضاع والممثل في الأمم المتحدة بات عاجزا في منع الصدامات بل ويعمل وفق أهواء بعض الدول. وفي حالة من عدم اليقين لما يجري، وطبقا لقاعدة المعايير المزدوجة، والتي تمارسها الدول الكبرى وتجد لها مبرراً في التنصل من التزاماتها الكبرى، وتدفعها للعمل في اتجاه مصالحها، وجدنا أن اتفاقيات «ستارت» استمرت تؤدي دورها في النظام الدولي، وحتى الآن برغم وجود الصراعات، وأجواء الحرب الباردة التي شملت دولاً عديدة.

واليوم بات من الخطورة عدم استمرار الأوضاع الراهنة في ظل ما يجري من ممارسات تشمل دولاً كبرى كروسيا والولايات المتحدة، وكدول لها وضعها الاستراتيجي في إقليمها مثل كوريا الشمالية وإيران. وليبقى الحديث عن مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل، أو تفكيك منظومات الأسلحة النووية، أو تجميد الإنتاج الكيميائي والبيولوجي في دائرة محددة من الحسابات المتضاربة، والتقييمات المتعارضة.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.