ينقطع الرابط الشرعي بالطلاق.

نقطة آخر السطر. فإذا كان الزواج قد أثمر طفلاً، فثمة سطور ممتدة إلى أن يكبر الطفل، ورغم أنّ المطلَّقين عادا رجلاً وامرأة أجنبيين، فقد كانا شجرةً واحدةً أثمرت ذلك الطفلَ. ويكون الطفل محظوظاً إذا ساد التفاهم بين والديه، فبعض الانفصال تسبقه حربُ استنزاف، الأمر الذي يقلّل من فرص السلام بعد ذلك، ويحاول كل طرف تجنيدَ الطفل لصالحه، وهو تجنيدٌ لا يقلّ بشاعة عن استخدام الأطفال في الحروب.

فهو يستدرجه ليأتي بدليل ضد أمه ليبني منه دعوى إسقاط حضانتها عنه. وهي تحرضه على تحدي أبيه حتى يضجر منه ولا يعود إلى رؤيته. وهو يوغر صدره بأنها التي سعت للانفصال. وهي تقول إنه باعهم لهوى في نفسه.

وهنالك ألف شيء مرشح ليكون سبباً للعراك: تربية الطفل، وتعليمه، وسلوكه، وأنشطته، وعلاقته بهذا أو ذاك، ورؤيته، وساعة ذلك، ومكان الرؤية، ومن يحضره، ومن يرجعه، وماذا يحتاج، وما هي كفايته، وماذا يشاهد، ومتى ينام ومتى يصحو.. إلخ. وقد يكون الخلاف مفتعلاً، فهو لم ينسَ أنه لم يقضِ معها أوقاتاً طيبة، فلا أقلّ من التنغيص عليها الآن حتى يبيضّ شعرها.

وهي تفكّر مثله: لن أتركه يهنأ بحياته من بعدي حتى يعرف قدري. والطفل يبيضّ شعرُه مع شعر أمه، ولا يهنأ بحياته مثل أبيه. وقد يكون الأبوان أرحم به وأعقل من ذلك، لكن الاتفاق بينهما يحتاج إلى علاقة تواصل طبيعية، فالزوجان كثيراً ما يختلفان على تربية طفلهما، ومن باب أولى نشوء الخلافات بين أبوين لا تَواصُلَ بينهما إلا في حدود ضيقة وعبر وسائط.

وأعتقد أنّ أحد أسباب صعوبة بناء التفاهم بين الطرفين هو القطيعةُ التي تَحدث بينهما، إما نتيجة لأسباب الخلاف، أو طريقة الانفصال، أو لأسباب تتعلق بالغيرة، أو عدم وجود الرابط الشرعي، أو غير ذلك.

يفقد الطفلُ الأجواءَ الطبيعيةَ بانفصال والديه، ولكن يمكن الإبقاء على الحدود الدنيا من تلك الأجواء، باستمرار الطرفين في علاقتهما بنحو ما: باللقاءات، وبالاتصالات، كأبوين مسؤولين عن إنسان يحتاجهما معاً.

الأب والأم، وأسرتيهما، وزوجة الرجل إذا كان قد تزوج، وزوج المرأة إذا كانت قد تزوجت، وأفراد المجتمع عامةً، مدعوّون إلى النظر بمسؤولية إلى ذلك الطفل، إذ يكفي أنه سيفتقد العيشَ تحت سقف واحد مع والديه. أما انقطاع الصِّلات نهائياً كأنهما غرباء فعلاً، فإلى جانب تأثيره المدمّر على الطفل، وعلى الطرفين أيضاً، فهو يشكّل عبئاً على مؤسسات الدولة المعنية، كالقضاء، والشرطة، ومراكز الطفولة.

فكل هذه الأجهزة ستضطر إلى أن تتدخل بطلب من هذا أو ذاك لترتيب أمور الطفل. وكمثال: فمع اقتراب الطفل من سنّ المدرسة، نجد القاضي يوصل مطالب الأب إلى الأم، ويوصل وجهة نظر الأم إلى الأب، مع ما يحدث في خضم كل ذلك من سوء فهم أو تعبير، بينما لو كان الطرفان يتواصلان مباشرةً، لوَضع الطفلُ حقيبتَه على ظهره ومشى إلى مدرسته سعيداً. إذا كان انفصال الزوجين حلاً لعلاقة متوترة، فإنّ وجود الطفل يحتم على الأبوين، وبتعاون المقربين منهما، وبتفهّم الجميع، الإبقاء على خيط العلاقة حتى مع انقطاع حبالها.