جاءت التداعيات والمخاطر الناجمة عن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لتُفاقمَ الأزمةَ الاقتصاديةَ العالميةَ، ولتدفع إلى إفلاس بعض الدول (مثال سريلانكا) ، وإلى إعلان بعضها الآخر عجزَه عن توفير مشتقات البترول اللازمة للسوق الداخلية.. لتتأكد الأهمية الاستراتيجية لـ«الذهب الأسود» في حضارة اليوم وفي حياة أجياله.

وحين يأتي ذِكرُ مفردة البترول، وكيف اكتُشف، وكيف أصبح مادةً مؤثرةً للضغط الاقتصادي والسياسي، لابد أن يَرد ذِكْر أول زير للبترول في المملكة العربية السعودية، ألا وهو الراحل الكبير عبد الله بن حمود الطريقي (1918- 1997)، المولود بمدينة الزلفي والحاصل على شهادة الماجستير من جامعة تكساس الأميركية (جيولوجيا النفط)، والذي أصدر في عام 1969 مجلةَ «النفط» المتخصصة بشؤون البترول، وصاحب الخبرة والباع الطويل في قضايا «الذهب الأسود»، وأحد أبرز مؤسسي «منظمة الدول المنتجة للنفط» («أوبك»).

لقد قاد الطريقي معاركَ ضاريةً لصالح بلده والدول العربية المنتجة للنفط، وكان فارساً شجاعاً ومناضلاً عنيداً في مجال تخصصه النفطي الذي لا يجاريه فيه أحد، إذ أبدع وتفنن في قضاياه وسياساته. وهو شخصية وطنية لامعة وعقلٌ أذهلَ العالَمَ كلَّه بتميزه وبراعته في مجال صناعة النفط وإنتاجه، لاسيما حين رفع شعارَ «نفطُ العرب للعرب»، وكان يصارع ويقارع ألاعيب الغرب والشرق.

لقد قاد معاركَه مسلَّحاً بالمعلومات والذكاء والفطنة والدراية وقوة الحجة والبرهان، حتى إن بعض الدول الغربية حاولت إغراءه، وقد رفض بقوة وقناعة، وقد اعترف الوسيطُ بذلك، تقديراً لموقف الطريقي الوطني الشجاع والنبيل تجاه وطنه، وقد أصبح ينظر له بإعجاب وذهول، وكيف كان لهذا البدوي الذي خرج من الصحراء أن يحرجهم جميعاً! كان ذلك في زمن ما قبل ظهور الطاقات الفكرية والعلمية في المملكة ودول الخليج من المتخصصين والخبراء في مجال الطاقة والنفط.

وقد اندهش من الطريقي خصومُه قبل أبناء بلده، وذلك لهول ما يملك من معلومات ثرية وخبرات عميقة وعلم واسع ومعرفة تامة.. في مجال تخصصه النفطي. كان خبيراً بارعاً بامتياز، ومرجعاً اقتصادياً ملماً وملهماً.. مما جعله خبيراً نفطياً من الدرجة الأولى في السعودية والجزائر والعراق والبحرين، وعدة دول عربية أخرى، حيث استفادَ الجميع من خبراته وفكره ومعرفته الذي سبق عصرَه في تلك المرحلة المبكّرة جداً.

فلماذا لا ينصف هذا الرجل الداهية وصاحب القامة الكبيرة المتفردة في مجاله؟ لقد أعطى الطريقي وبذل جهوداً مضنيةً، بأمانة وإخلاص وشرف، وكان يحذِّر من أزمات نفطية قادمة. تصوروا لو أن الطريقي موجود بيننا الآن، ماذا كان ليقول عن أزمات النفط والطاقة الحالية وتداعياتها على الأسعار والأسواق وحركة الاقتصاد وحياة الناس في أنحاء العالم؟

إن أزمات نقص الوقود الحالية في العديد من الدول ليست بالأزمات اليسيرة مطلقاً، حتى إن بعضَ الدول طالبت أفراد شعبها بالعمل من بيوتهم، لعدم توفر البنزين والديزل في الأسواق الداخلية، في عصر النظام العالمي الجديد المتطور؟!

*كاتب سعودي