يبدو عالم اليوم وكأنه يمر بأزمة في الإعلام، ليس من زاوية شح المعلومات ووصولها إلى العامة، أو من حيث تنوعها لكي تغطي جميع جوانب الحياة، ولكن من ناحية كثرتها وكثرة أولئك الذين يتداولونها ويوصلونها إلى الجماهير الواسعة وإلى كل بقعة من بقاع الأرض وفي لمح البصر. لذلك، فإن الأزمة الإعلامية التي نتحدث عنها هي ليست شح أو ندرة في المادة الإعلامية، إنما هي أزمة كثرة بات من الواضح جداً أنه من غير الممكن السيطرة عليها أو إخضاعها لقوانين وإجراءات واضحة ومتفق عليها.

وفي وسط هذا المد المتلاطم من المادة الإعلامية، نشأت ظاهرة أخرى جديدة، وهي تزايد عدد المتعاملين مع المادة الإعلامية على أنهم إعلاميون بحيث أصبح واضحاً أنه لم تعد توجد معايير تحدد من هو الإعلامي، فمع ظهور الإنترنت وما ارتبط به من منافذ لبث ونشر كل شيء كـ «تويتر» و«انستجرام» و«جوجل» و«ياهو»، وغيرها من منصات الأخبار والتواصل الاجتماعي، أصبح من الصعب تحديد من هو الإعلامي! وفي سياق هذا السؤال المحير حول من هو الإعلامي، وضمن رسالة تلقيتها من إحدى المؤسسات، يطلب مني إعداد دراسة حول شأن استراتيجي يخص سياسة الدولة الخارجية كتب يقول بادئاً الحديث بوصفي «الكاتب والإعلامي».

لقد استوقفني مصطلح «الإعلامي» ورسم الدهشة على وجهي، فالزميل السابق يعلم جيداً بأني لست إعلامياً. ولا أعلم من أين جاءني وصف إعلامي، فكاتبكم ليس بإعلامي، لا من حيث التخصص ولا التدريب المهني، ولا حتى من حيث المهن التي مارستها، وكل ما في الأمر هو أني كاتب عمود سياسي أسبوعي - وهذا ليس بتقليل من شأن الإعلاميين الذين أكن لهم كل تقدير واحترام، لكن لأن الوصف أثار لدي سؤالا محيرا حول من هو الإعلامي حقيقة؟

يقول الإعلامي الكويتي المخضرم ووزير الإعلام السابق محمد السنعوسي ما يفيد أنه حالياً أتى العديد من أصحاب المهن التي ليس لها علاقة بالإعلام، من الذين أوجدوا لأنفسهم منافذ على مواقع التواصل الاجتماعي لكي ينعتوا أنفسهم بأنهم «إعلاميون»، وأخذوا ينشرون ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب بحيث اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين، فالكل صار إعلامياً.

هذا هو الوضع وهذه هي الصورة التي أصبحت فيها المعلومات تصل إلى الجمهور بطرق جديدة، ففي زمن الإنترنت والتواصل الاجتماعي يستطيع كل فرد أن يصبح صاحب موقع يكون فيه رئيساً للتحرير، وكاتباً ومذيعاً ومعلقاً ومحللاً سياسياً على الأحداث وناشراً ومراسلاً يبث ما يشاء ووقت ما يشاء، وكل من هؤلاء لديه جمهوره ومتابعوه. على مواقع التواصل الاجتماعي الكل يستطيع نشر الأخبار والمعلومات والصور ومقاطع الفيديو وحتى الإشاعات، بحيث إن جميع ذلك غير من صورة ما هو الإعلام ومن هم الإعلاميون الحقيقيون. إن الإعلام الجديد هذا منح البشر العاديين وبشكل مدهش قوة ناعمة خطيرة ووسائل لنقل المعلومات وللحصول عليها.

والأعمق من ذلك والأكثر سطوة وتأثيراً هو أن الهاتف النقال أصبح هو سيد الموقف ومحمول بيد الجميع، وبدأ في طمس أهمية كل ما عداه كوسيلة للتواصل ونقل المعلومات والأخبار صحيحها وكاذبها. وتشير استطلاعات شعبية أجريت في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن أكثر من نصف متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي يعتبرون أنفسهم متمرسين في شؤون الإعلام. وضمن سياق هذه الفوضى العارمة التي تلم بالإعلام حول العالم تراجعت أدوار وسائل الإعلام التقليدية المرئي منها والمقروء والمسموع، لكي يحل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بديلاً لها.

لقد أصبحت الأجيال الجديدة لا تأبه بالصحف الورقية ولا التلفزيون أو الإذاعة، وأخذت في اللجوء إلى الهواتف النقالة لاستقاء المعلومات والأخبار ونشرها، فهل لا يزال في عالم اليوم إعلام رسمي أو إعلام غير رسمي؟ ومن هو الإعلامي الحقيقي؟ وما هو الإعلام في حد ذاته؟ أسئلة قديمة متعددة لكن الإجابة عنها صعبة ومعقدة، زادها الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة صعوبة وتعقيداً يفوق الخيال.

* كاتب إماراتي