حضر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قمةَ مجموعة السبع في جنوب ألمانيا وطرح هناك، ليس فقط وجهة نظر الهند، بل أيضاً وجهةَ نظر الدول النامية.

ولطالما كانت الهند ممثلاً للدول النامية في طائفة واسعة من القضايا، بما في ذلك قضية تغير المناخ التي سعت الدول الأغنى والمتقدمة من خلالها إلى إلقاء عبء أكبر على الدول النامية التي لديها هدف رئيسي يتمثل في انتشال السكان مِن الفقر بعيداً إلى حد ما من مسؤوليات تغيّر المناخ. وفي هذا السياق، كان مودي واضحاً جداً في قوله، إن الطاقة لا ينبغي أن تكون امتيازاً للأثرياء، بل يجب أن يتمتع الفقراء أيضاً بحق متساو في الطاقة.

والهند هي ثالث أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم. وتستورد الهند نحو 80% من احتياجاتها النفطية من الخارج. وبعد فرض الغرب عقوبات على روسيا، رداً على عمليتها العسكرية في أوكرانيا، لم تعد بعض الدول الأوروبية تشتري النفط الروسي، فأصبحت موسكو تعرض الآن النفط بأسعار مخفَّضة للشركات الهندية. وما كان أمام الهند من خيار سوى شراء النفط لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وترى الهندُ أن قطاع الطاقة النظيفة صعد كمجال رئيسي فيها، وأنه على اقتصادات الدول المتقدمة التفكير في الاستثمار في هذا المجال.

وقد حلَّت الهندُ ضيفاً في قمة مجموعة السبع لهذا العام، إلى جانب جنوب أفريقيا وإندونيسيا والأرجنتين والسنغال. وطرح رئيس الوزراء الهندي نقطةً مهمةً حول إمكانية الحصول على الطاقة لجميع الأطراف المعنية. وأشار إلى أن الأسرة الفقيرة لها الحقوق نفسها في التمتع بالطاقة مثل أي أسرة غنية، وأكد على أهمية أخذ هذا في الحسبان.

ويتعين أيضاً النظر إلى ملاحظاته في سياق جدول أعمال مجموعة السبع. وتسعى المجموعة إلى فرض عقوبات على روسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وتتضمن العقوبات وقف صفقات الطاقة بين موسكو والمشترين الذين يتزايد عددهم في آسيا، ومن بينهم الهند والصين. وأصبحت مشتريات النفط، على وجه الخصوص، تخضع لرقابة غربية، في وقت تواجه فيه الهند ضغوطاً بسبب تعاملاتها الاقتصادية مع روسيا.

ولطالما جادلت الهندُ بأن نصيب الفرد لديها من انبعاثات الكربون يعد من بين أدنى المعدلات في العالَم، ومن ثَم يجب على الدول الصناعية الغربية أن تتحمل الجزءَ الأكبرَ من العبء المالي لمكافحة تغير المناخ. وقد طرح مودي في القمة وجهة نظر مفادها أن الحوار هو المخرَج الوحيدُ من حرب أوكرانيا.

وتقاربت الهندُ مع الولايات المتحدة مع وجود نقاط التقاء بينهما فيما يتعلق بصعود النفوذ الصيني. لكن الهندَ تحافظ في الوقت نفسه على علاقات وثيقة مع روسيا تعود إلى حقبة الحرب الباردة.

فمازالت روسيا مصدراً مهما لشراء المعدات العسكرية التي تستوردها الهند، ولذا اتبعت الهندُ توازناً حذِراً في موقفها خلال الأزمة الأوكرانية. وفي الأمم المتحدة، رفضت الهند إدانةَ روسيا مباشرةً وامتنعت عن التصويت على عدد من القرارات ضد موسكو. وأكدت الهند التي يمكنها لعب دور الوسيط جيداً أن الحوارَ هو السبيلُ الوحيدُ للخروج من الوضع الحالي في أوكرانيا، على الرغم من اختيار الغرب طريقَ العقوبات.

لكن مودي أوضح أنه على الرغم من كل هذه القضايا، فقد تحركت الهندُ بسرعة نحو تحقيق أهداف المناخ، وأكد أن إخلاص الهند لالتزاماتها المناخية واضح من أدائها، وأنها استطاعت بلوغَ هدف توفير 40% من الطاقة من المصادر غير الأحفورية قبل تسع سنوات من الوقت المستهدف. وذكر أيضاً أن هدف خلط الإيثانول بنسبة 10% في البنزين قد تحقق قبل خمسة أشهر من الموعد المستهدف. وأضاف أن الهندَ لديها أول مطار في العالم يعمل بالطاقة الشمسية بالكامل، وأن نظام السكك الحديدية الضخم في الهند سيصبح صافي انبعاثاته من الكربون صفر في هذا العقد. وأعرب رئيس الوزراء الهندي عن أمله في أن تدعم الدول الغنية في مجموعة السبع الجهودَ الهنديةَ في مكافحة تغير المناخ ودعاها لدخول السوق الضخمة لتقنيات الطاقة النظيفة الناشئة في الهند.

ودعا مودي مجموعةَ الدول السبع للاستثمار في الهند، في الأبحاث والابتكار والتصنيع، مشيراً إلى أن النطاق الذي يمكن أن توفره الهندُ لكل تقنية جديدة قد يجعل هذه التكنولوجيا في متناول العالَم بأسره. وأكد أن النظريات الأساسية للاقتصاد الدائري كانت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الهندية ونمط الحياة.

ولا شك في أنه عندما تبدي دولةٌ كبيرة مثل الهند مثل هذا الطموح، فإن الدول النامية الأخرى تستلهم منها أيضاً. والهند لديها قوة عاملة شابة متعلمة وخبيرة في مجال التكنولوجيا ولديها إمكانات هائلة، ويمكنها بسهولة توفير سوق ضخم لتقنيات الطاقة النظيفة. وفي قمة مجموعة السبع، وقّعت الهند على بيان مشترك لحماية حرية التعبير والرأي «على الإنترنت وخارجها». وتؤكد الوثيقة أن الموقعين سيظلون «متمسكين بالدفاع عن السلام وحقوق الإنسان وسيادة القانون وأمن البشر والمساواة بين الجنسين». ووقّعت الوثيقةَ جميعُ الدول التي كانت ممثلةً في هذه القمة.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي