باغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، فقدت الهند صديقاً حقيقياً. وبينما واجه الزعيم الياباني المغدور العديد من النجاحات والإخفاقات خلال فترة توليه رئاسة الوزراء، فإنه حظيَ باحتفاء كبير في الهند نظراً لاعترافه بأهمية الدولة الواقعة في جنوب آسيا بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولدوره في تعميق العلاقات بين اليابان والهند.

غالباً ما كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يصف آبي بـ«صديقه العزيز»، إذ كانت تربطه علاقة حميمة مع الزعيم الياباني. وتعود العلاقة بين الزعيمين إلى الوقت الذي كان فيه مودي كبير الوزراء في ولاية جوجارات. كما كانت زيارة مودي الأولى خارج جنوب آسيا، بعد أن تولى منصب رئيس وزراء البلاد في عام 2014، إلى اليابان.

وعلى مر السنين، التقى الزعيمان في مناسبات متعددة وتوطدت صداقتهما. وكان آخر لقاء لرئيس الوزراء الهندي مع الزعيم الياباني قبل أقل من شهرين خلال رحلة إلى اليابان لحضور قمة منتدى الأمن الرباعي (كواد). وساهم رئيس وزراء اليابان الراحل شينزو آبي كثيراً في الارتقاء بالعلاقات الهندية اليابانية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الخاصة. وقد أعرب رئيس الوزراء الهندي، وهو من أشد المعجبين بآبي، عن أسفه لرحيله، وأشار إلى مساهمة الزعيم الراحل في تعزيز العلاقات بين الهند واليابان، حتى أنه كتب مقالاً تخليداً لذكرى الزعيم الياباني. في الواقع، أعرب القادة السياسيون في مختلف الأحزاب عن أسفهم لوفاة آبي.

وأشار رئيس «حزب المؤتمر»، راهول غاندي، على تويتر، إلى أن «دوره في تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين الهند واليابان يستحق الثناء». كما أشار رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينج إلى التعاون مع «الصديق الجيد» آبي لرفع العلاقات بين الهند واليابان خلال فترة ولايته. هناك العديد من أصدقاء الهند ضمن زعماء العالم الخالدين.

لكن إذا كان هناك زعيم عالمي واحد أدرك أهميةَ الهند في مناطق المحيطين الهادئ والهندي، فإن رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي قد فعل ذلك في وقت مبكر جداً. وبالنسبة للهند ولرئيس وزرائها مودي، الذي اعتبر شينزو آبي صديقاً مقرباً، كانت الخسارة محسوسة بشدة. حظي آبي باحتفاء كبير في الهند لاعترافه بصعودها في منطقة جنوب آسيا ولعودة المنتدى الأمني ​​الرباعي في الوقت الحالي. وقد تم وضع مفهوم «كواد»، وهو تجمع أمني غير رسمي، لأول مرة في عام 2007، لكنه فقدَ زخمه.

بيد أنه الآن يشهد انتعاشاً وقد أصبح زخمه ينمو ببطء وسط تقارب متزايد بين البلدان الأربعة.في الهند، يُنظر إلى آبي على أنه زعيم عالميٌ جعلَ الهندَ في مركز الصدارة في الجغرافيا السياسية المعاصرة قبل أن تَحظى بشعبية كبيرة كما هي الآن. ويُنظر إليه أيضاً باعتباره صاحبَ رؤية. فقد رأى الدور الذي ستلعبه الهند في تطور «منتدى الأمن الرباعي»، وفي تحقيق التوازن مع القوى الصاعدة الأخرى في آسيا، حتى عندما سعى إلى إخراج بلاده من سياستها السلمية ما بعد الحرب العالمية. لقد كان مؤيداً قوياً لمنتدى الأمن الرباعي، وقام بتوضيح معالم التجمع في خطاب ألقاه عامَ 2007 أمام البرلمان الهندي خلال زيارة أداها إلى نيودلهي، حيث تحدَّث عن «قوس الحرية والازدهار» مسلِّطاً الضوءَ على أهمية تكاتف الديمقراطيات معاً.

في ذلك الخطاب، تحدَّث عن تعاون الهند واليابان من أجل «آسيا الأوسع» التي من شأنها أن «تتطور لتصبح شبكةً هائلةً تمتد عبر المحيط الهادئ بأكمله، وتضم الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا». كان آبي يرى أن هذه الشبكة «ستسمح للناس والبضائع ورأس المال والمعرفة بالتدفق بحرية».

وفي الوقت نفسه، تعمقت العلاقات بين الهند واليابان خلال فترة ولاية آبي الذي حاول زيادةَ مجالات التعاون بين البلدين. ووافقت اليابان، التي كانت قد فرضت عقوبات على الهند بسبب التجارب النووية في عام 1998، وظلت لسنوات تنتقد نيودلهي لعدم توقيعها معاهدةَ عدم انتشار الأسلحة النووية، على التعاون النووي المدني خلال فترة رئاسة رئيس الوزراء آبي. في حين أنه لأسباب مختلفة لم تحرز الاتفاقية تقدماً، اتفق البلدان في عام 2015 على التعاون لتصنيع أول قطار سريع في الهند. لكن كما أن مشروع القطار السريع، الذي شهد العديد من التأخيرات، بعضها بسبب قضايا الاستحواذ على الأراضي، فإنه لم يتم إنجازه خلال فترة ولاية آبي.

ومن العلامات الواضحة جداً للتعاون بين الهند واليابان، مشروع قطار مترو دلهي الذي تم بناؤه بمساعدة يابانية وكان بدايةً لبناء سكة حديد مترو في جميع أنحاء البلاد. وقد استمر ارتباط شينزو آبي بالهند حتى بعد تنحيه عن رئاسة الوزراء. فقد تولى مؤخراً منصبَ رئيس الجمعية الهندية اليابانية، وهي مؤسسة يقع مقرها الرئيسي في طوكيو. ليس هناك شك في أن آبي لعب دوراً مهماً في دفع الهند لتكون أكثر طموحاً في مساعيها العالمية ولتعميق الروابط بين الهند واليابان اللتين لديها العديد من دواعي التقارب بينهما.