«إستراتيجية تصفير الملفات» كان عنوان أحد مقالاتي السابقة، والذي نشر في باب «وجهات نظر» يوم 7 ديسمبر 2020.

فمن خلال ذلك المقال أشرت لضرورة إدارتنا نحن لملفاتنا الإقليمية وكذلك التباينات: المصلحي منها والسياسي إنْ نحنُ أردنا التعبير عن موقفٍ يعكسُ إرادتنا الإقليمية سياسياً واقتصادياً، ذلك بالإضافة لما لذلك من تأثير مباشر على خفض مستويات التوتر في المنطقة، بدل التصعيد المهدد لاستقرارها.

ما فشلت واشنطن في إدراكه عبر علاقتها المديدة بالمنطقة هو الإقرار بفشلها في تطوير استراتيجية احتواء فاعل تجاه إيران، وتسبب ذلك التعثر المستمر في إرباك العلاقات البينية الخليجية الأميركية منذ 2003. واليوم تدفع ارهاصات الأزمة الأوكرانية بواشنطن نحو القدوم للشرق الأوسط بعد تجاهل لحلفائها الاستراتيجيين لما قارب العامين من عُمر هذه الإدارة، فهل ستكون رسائل واشنطن السياسية متفهمة لاحتياجات حلفائها في تعزيز فرص استدامة الاستقرار النسبي، أم هي ستتجاهل ذلك وتستمر في الإمساك «بخيوط الأزمات» بدل إدارتها بالتماثل مع رؤى حلفائها، وذلك تحديداً لن يجيب عنه الرئيس بايدن، وليكن موقف إدارته من «الحوثي» أنموذجاً.

بيان القدس الذي وقع بين الولايات المتحدة وإسرائيل تضمن مواصلة تصنيف جميع التنظيمات التي تسير في فلك إيران من «حزب الله» إلى «حماس» بالإرهابية، في حين تجاهلت واشنطن تماماً إعادة تنظيم أنصار الله (الحوثي) لنفس القائمة والتصنيف رغم ما يمثله ذلك التنظيم الإرهابي من تهديد مستمر لأمن واستقرار عموم دول شبه الجزيرة العربية، ناهيك عن أمن الملاحة في خليج عدن وباب المندب. و«الحوثي» يستمر في زعزعة الهدنة الهشة في اليمن، وكذلك جهود رفع المعاناة الإنسانية عن اليمنيين في مدن كبرى مثل تعز والحديدة.

فما هي تحديداً معايير واشنطن في تصنيف التنظيمات الإرهابية أو تلك التي تسير في فلك طهران، فهل ذلك يعتمد مبدأ (خيار وفقوس) مثلاً؟ المنطقة في حاجة ماسة لإعادة الاستقرار القابل للاستدامة واليمن أولها، والأمر نفسه ينطبق على الحالة الليبية أو اللبنانية أو السورية. ومن غير المنطقي محاولة واشنطن تبرير موقفها من تنظيم أنصار الله (الحوثي) انطلاقاً من تخليها الأخلاقي عن مبدأ «رفع المظلومية عن شيعة اليمن».

تنظيم أنصار الله (الحوثي) هو تنظيم لا يحترم الإرادة الوطنية اليمنية، ولا يحترم مواثيقه الدولية والإقليمية، وإن عدم إعادته لقائمة التنظيمات الإرهابية سيغلق كل الآفاق المحتملة لاستدامة الهدنة، أو دخول اليمن حالة من التوازن الداعم لمشروع انتقال سياسي على أسس وطنية.

الاستقرار العالمي (اجتماعياً) الآن مهدد نتيجة عودة ظهور وباء كوفيد-19، مما سيعمق من تعثر سلاسل الامداد (الغذاء والطاقة) ذلك بالإضافة لتأثيرات الأزمة الأوكرانية. وتصاعد مساحة عدم الاستقرار الاجتماعي وبشكل يومي دولياً قد يُحوّل بعضها إلى حالة عامة من عدم الاستقرار السياسي أو تحول بعضها لحروب أهلية.

* كاتب بحريني