يستقبل قصر الإليزيه اليوم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في أول زيارة رسمية خارجية يقوم بها منذ توليه الرئاسةَ في 14 مايو الماضي، زيارة تعَد تقديراً للعلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، وتأكيداً لعمق هذه العلاقات وتنوعِها وأهميتِها للطرفين، وتهدف في توقيتها إلى تعزيز وتوسيع آفاق التعاون والتوافق بين الدولتين في الملفات الدولية والإقليمية وخاصة ملف الأزمة الأوكرانية وتأثيراتها المتصاعدة على الطاقة والغذاء وعلى العلاقات الأوروبية، إلى جانب تداعياتها على الملفات الساخنة في الشرق الأوسط. ولذا فقد اعتبر قصر الإليزيه الزيارةَ لفتةً رمزيةً قويةً تؤكد متانةَ الشراكة الاستراتيجية الثنائية الفرنسية الإماراتية.

وتأتي زيارة رئيس الدولة للجمهورية الفرنسية في ظرف دولي وإقليمي استثناني، بسبب حرب أوكرانيا وتعثر المفاوضات النووية مع إيران، لتعكس ديناميكيةَ وواقعيةَ السياسةِ الخارجية الإماراتية الرامية إلى توظيف العلاقات مع الدول الكبرى خدمةً لأهدافها، حيث جاء توقيت الزيارة بعد أيام من احتفالات فرنسا بعيدها الوطني («يوم الباستيل») في الـ14 يوليو، احتفالات تترافق عادة مع عرض عسكري يرمز لقدرات فرنسا العسكرية وأهمية جيشها ومكانته كضامن للوحدة الوطنية.

وبسبب الحرب الأوكرانية اتسم العرض العسكري هذا العام بطابع خاص لتكريم دول الجناح الشرقي لحلف «الناتو» والقوات الفرنسية المنتشرة فيها، مما يبين أهمية ملف الأزمة الأوكرانية والتطورات الدولية الناجمة عنها على أجندة السياسة الفرنسية، حيث يتصدر ملف الطاقة أولويات حكومة الرئيس ماكرون.

يعكس توقيت الزيارة وجدول أعمالها الأهميةَ التي توليها الدولتان لتعزيز علاقاتهما الثنائية، حيث تهدف مباحثات القائدين إلى تعميق الشراكة الاستراتيجية، وستتصدرها مجالات الأمن والدفاع والطاقة وتقنيات المستقبل.. وهي قضايا تم التطرق إليها خلال جولة الرئيس الفرنسي الخليجية الأخيرة. وتحرص قيادتا البلدين على تطوير العلاقات الثنائية من خلال الزيارات المتبادلة لترسيخ العلاقات الاستراتيجية، فسياسياً تتوافق وجهات نظر الدولتين إزاء العديد من قضايا المنطقة، حيث تَعتبر الإماراتُ فرنسا طرفاً مهماً في معادلة الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، كما يعتبر ملتقى الحوار الاستراتيجي إحدى أهم الآليات التي تم تأسيسها لتعزيز العلاقات بين الدولتين، إذ انطلقت أعمال هذا الملتقى الدوري عام 2008، وفي اجتماعاته خلال السنوات الماضية تناول كل القضايا ذات الاهتمام المشترك، السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، إضافة إلى ملفات التعاون في القضايا الإقليمية والدولية.

لقد شهدت العلاقاتُ الإماراتية الفرنسية في السنوات الماضية قفزاتٍ نوعيةً في كل المجالات، السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية، وصولاً للشراكة الاستراتيجية.

واستطاعت دولة الإمارات بفضل الرؤية الحكيمة لقيادتها الرشيدة ونموذجها التنموي الناجح، أن تعزز علاقاتِها مع القوى الإقليمية والدولية في المجالات المختلفة، وعلى رأسها الجمهورية الفرنسية، كما استطاعت بنموذجها الحضاري التعايشي المنفتح على كل الثقافات أن تخلق أرضيةً للتعاون الثقافي المشترك مع فرنسا، حيث يعتبر متحف اللوفر-أبوظبي بوتقةً مهمةً لانصهار الثقافات بين الشرق والغرب.

وقد نجحت الإمارات في توظيف هذه العلاقات بشكل فاعل في تحقيق مصالحها الوطنية وتنمية اقتصادها.. ومع توافر إرادة العمل المشترك ستنطلق العلاقات الثنائية الإماراتية الفرنسية إلى الأمام‮.‬‬‬

*كاتبة إماراتية