كان نهج إدارة الرئيس جو بايدن والتغطية الإعلامية لزياراته إلى إسرائيل وفلسطين والمملكة العربية السعودية متناقضاً بشكل صارخ. فقد كان لقاء بايدن مع الإسرائيليين يفيض بالحيوية، لكنه كان غامضاً مع الفلسطينيين، وحذراً للغاية مع قادة دول الخليج العربي لدرجة أنه كاد يقوض رسالته. وصل الرئيس إلى إسرائيل معلنا أنه «يشعر بأنه في وطنه». وهناك، حصل على وسام الشرف الإسرائيلي ووقع «إعلان القدس» مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد.

كانت الوثيقة مفرطة في التعبير العاطفي بشكل محرج، إذ أكدت أن التزام الولايات المتحدة بإسرائيل «غير قابل للكسر»، و «ثابت»، و«لا يتزعزع»، و«مقدس»، و«دائم»، وأنه «التزام أخلاقي» يقوم على «أساس متين من القيم المشتركة». لم يتم ذكر الفلسطينيين حتى قرب نهاية البيان حيث «يدين البلدان سلسلة الهجمات الإرهابية المؤسفة ضد المواطنين الإسرائيليين» ويتعهدان بـ «تحسين نوعية حياة الفلسطينيين».

ومن المثير للاهتمام أن الإعلان يحيد عن إطار «كلا الزعيمين» ليشير إلى أن «الرئيس بايدن فقط يعيد تأكيد... دعمه لحل الدولتين».من ناحية أخرى، كان لقاء بايدن مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس،هادئاً، كما كان متوقعاً. ومع عدم القدرة على الاتفاق على بيان مشترك، قدم كل منهما قراءاته الخاصة، مما يوضح أنه لا شيء قد حرك البوصلة نحو السلام.

في بيانه، استخدم بايدن تعبيره «الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء يستحقون التمتع بتدابير متساوية من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية»، وأعرب عن «إيمانه بأن الشعب الفلسطيني يستحق أن يعيش حياة كريمة وأن تتاح له فرصة التنقل والسفر بحرية؛ ولمنح الأمل لأبنائه بأنهم سيتمتعون ذات يوم بنفس الحرية وتقرير المصير لجيرانهم الذي يتمتع به جيرانهم».

لم يقدم الرئيس الأميركي أي انتقاد للسلوك الإسرائيلي أو يقدم أي تأكيدات بالعمل لكبح هذه السلوكيات، ولكنه أيضا بدد آمال الفلسطينيين بإعلانه مرتين أن الوقت لم يكن مناسبا لأي تحرك نحو تحقيق الحقوق الفلسطينية التي حُرم الشعب منها منذ زمن طويل. وعندما غادر بايدن، ترك الإسرائيليين غارقين في عاطفة الرئيس والتزاماته بتقديم المليارات من المساعدات والدعم السياسي، والفلسطينيين محبطين من كلماته الخالية من الدعم لتطلعاتهم دون تقديم أي التزامات للمساعدة في تحقيقها.

أولاً، من المهم الإشارة إلى أنه لا توجد دولة خليجية «مدعومة من دافعي الضرائب الأميركيين».

ثانياً، بعد تلبية الرغبات بشكل مفرط في القدس، من السذاجة القول بأن تصرف بايدن بأسلوب  رجل الدولة مع القادة السعوديين هو أمر يتعلق بالسياسة الداخلية للولايات المتحدة. ثالثا، بعد حربي العراق وأفغانستان وما صاحبهما من أهوال، فإن من الغطرسة الحديث عن «القيم الأميركية» أو «النظام العالمي بقيادة أميركا».

وأخيراً، من غير النزيه أن تقتبس الصحافة الأميركية من تقارير مجموعات حقوق الإنسان لطرح قضيتها ضد بعض الدول العربية، بينما ترفض تغطية التقارير المكثفة لهذه الجماعات نفسها حول الممارسات الإسرائيلية. في الواقع، لم يتم التطرق إلى الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحقوق الفلسطينيين أو حاجة الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للتوقف والكف. في النهاية، اختُتمت اجتماعات بايدن مع دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الاجتماعات الثنائية الثلاثة مع قادتها بالعديد من الاتفاقيات الموقعة حول الدفاع وأمن الطاقة والمساعدات الإنسانية العربية الأميركية المشتركة للدول النامية.

ولم يتم الإشارة إلى هؤلاء إلا قليلا في التغطية الصحفية. وفي نهاية الرحلة، فإننا أمام دراسة صارخة عن التناقضات في كيفية رؤية القيادة السياسية ووسائل الإعلام الأميركية لإسرائيل والعرب: إحداهما منزهة عن الانتقاد، والأخرى لعبة عادلة. إن تأثير هذا المعيار المزدوج هو أنه يشوه علاقاتنا ويُقوّض مصداقيتنا ونحن نكافح لإيجاد طريقنا إلى الأمام في عالم ما بعد العراق متعدد الأقطاب.

رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن