طرحت الـ«بي بي سي» تساؤلاً في يونيو 2019 يقول: هل بدأ الشباب العربي يدير ظهرَه للدين؟ وذلك على خلفية استطلاع بين العامين 2018 و2019 أجرته مؤسسة «الباروميتر العربي» على الشباب في تونس وليبيا والمغرب والسودان ومصر والعراق والأردن والأراضي الفلسطينية، وأظهرت نتائجُه زيادةً في نسبة الذين وصفوا أنفسهم بأنهم غير متديّنين عن سنة 2013.

وتعليقاً على ذلك، كتبتُ في حينه مقالاً بعنوان «هل تراجع التديّن بين الشباب العربي؟»، قلت فيه إنّ ذلك التراجع يجب ألا يثير القلق بشأن العنصر الأهم في عناصر هوية الشعوب العربية، أي الدين، ذلك أنّ مفهوم التديّن تعرّض إلى تشويه حقيقي. فقد كان التديّن مرادفاً للتزمّت، وعدم قبول الآخر، والاستعلاء على المختلف، والتشدّد في العبادات، والتهاون في المعاملات، ومرتبطاً بجملة من الشكليات، كإطالة اللحية وتقصير الثوب، وبعدد من السلوكيات، كالتدخّل في شؤون الآخرين ومحاسبة الناس، وبمجموعة من التصوّرات، كجاهلية المجتمعات وكفر الحكومات. هذا إلى جانب الصراع بين الذين يصنّفون كمتدينين من مختلف المذاهب والتيارات.

ومن ثم، قلتُ إنه قد يفضّل الكثيرون ألا يُحشروا ضمن ذلك المفهوم، لا سيما أنّ استطلاعات الرأي تريد إجابات «نعم أو لا»، ولا مجال للإجابة وفقاً لمفهوم المسؤول عن الأمر الذي يُسأل عنه. ومن جديد طرحت الـ«بي بي سي» تساؤلاً في يوليو الجاري يقول: لماذا تشهد علاقة الشباب العربي بالدين تحولاً؟ وأظهر استطلاع 2022 نتائج معاكسة، إذ حدث تراجع ملحوظ في عدد من وصفوا أنفسهم بغير المتديّنين. وأعتقد أنّ الزيادة في مَن وصفوا أنفسهم بالمتديّنين تعود إلى مفهوم التديّن أيضاً، ففي السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة تغيّر هذا المفهوم، بحيث لم يعد يحمل الدلالات السابقة.

 

وليست مصادفةً أننا لم نعد نسمع كثيراً عبارة «اختطاف الإسلام»، فكل العصابات أو التنظيمات التي كانت تختطف الإسلام، إما اندحرت أو تراجعت، وعاد الإسلام ديناً للجميع. وأمر آخر حدث في السنوات الأخيرة أعتقد أنه يُلقي بظلاله على أفكار الشباب، ألا وهو الانتشار العالمي للأفكار المناهضة أو المضادة للأديان، حتى أصبح الحال في كثير من المجتمعات، في الأقل الغربية، إما مع وإما ضد.

وإذا كان التديّن في السابق يقابله عدم التديّن، فالتديّن اليوم في طريقه ليصبح مقابلاً للإلحاد، وثمة فرق كبير بين عدم التديّن والإلحاد، بمعنى أنّ الشاب قد يفرّط في بعض واجباته الدينية، لكن لا يمكن أن يرى نفسَه ملحداً بسبب ذلك، ولو سُئل عن التديّن الذي يقابله الإلحاد، سيختار حتماً التديّن. وأعتقد أنّ الشباب العربي يسير في الطريق الصحيح بعدما زالت عن التديّن الكثير من تشوّهاته، وأصبح من الممكن أن يكون متديّناً وفي الوقت نفسه مسالماً ومتسامحاً وقابلاً للآخر، دونما تفريط بقيمه العليا أو ذوبان في قيم الآخرين.

*كاتب إماراتي