مرت العلاقات الأميركية الخليجية بفتور وجمود، بسبب السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن الحالية منذ انتخابه عام 2020. فبعيد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركي في مواجهة ترامب، أعلن بايدن انسحاب بلاده من المنطقة بشكل مفاجئ، وهو انسحاب وصفه بعض المحللين الأميركيين بالهزيمة، خاصة بعد الانسحاب العسكري من أفغانستان، مما جعل بعض الدول الإقليمية تَقْوى شكيمتُها وتتشجع لبسط نفوذها من خلال أذرعها في عدة أماكن من المنطقة العربية، وسط تردد وضبابية في القرار الأميركي.

وذلك ما أكده بايدن حين قال: «إننا عدنا لنعالج أخطاء مسارات سابقة، ولإدارة فراغات بالمنطقة». وقد لاحظ كثير من المراقبين وجود تناقضات في السياسة الأميركية السابقة حيال المنطقة، لاسيما إقليم الخليج العربي، وافتقار هذه السياسة إلى الوضوح والانسجام والإنصاف.

ففي منطقة الخليج العربي، والتي أصبحت أحد محاور السياسة الدولية، خاصةً بعد انقسام العالم إلى شرق وغرب، اتصف الموقف الأميركي بشيء من الرخاوة الهشاشة، وهو ما شجع الحوثيين على التمادي في اعتداءاتهم ضد المنشآت الحيوية، دون أن نرى ردةَ فعل أميركية حاسمة للجم هذه الجماعة المتمردة، التي تتلقى دعماً من قوى إقليمية تعلن ذلك صراحةً. وقد جاءت قمةُ جدة التي جمعت الرئيس الأميركي وتسعة زعماء عرب من المنطقة، ونوقشت خلالها ملفات إيران واليمن والطاقة وأمن الخليج العربي.. على أمل أن تضع حداً لضبابية الموقف الأميركي المتردد. ويذكر أن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مستمرة كعلاقة استراتيجية قائمة على مصالح مشتركة منذ ثمانية عقود، وتحديداً منذ عام 1943.

وقد عقدت قمة جدة، العربية الأميركية، بمبادرة من السعودية، للتشاور مع الإدارة الأميركية ولمعرفة أهدافها ونواياها واستراتيجياتها ومحور سياساتها الجديدة تجاه المنطقة، ولإطلاعها على المطلوب منها خليجياً، أي لدى شركائها الاستراتيجيين في المنطقة، ولتطمينهم. وما من شك في أهمية هذه القمة الموسعة، التي عُقدت في ظروف حساسة وحرجة، وقد طرحت خلالها ملفاتٌ ساخنة ونوقشت من طرف الزعماء.

ومعلوم أن دول الخليج العربية واضحة في سياستها تجاه الولايات المتحدة ولا تريد التفريط في علاقة الثقة مع حليف قوي، وهي تتعامل مع الأميركان بوضوح وشفافية. لكن ضبابية السياسة الأميركية الحالية أقلقت المنطقةَ كلَّها وشوشت العلاقة مع الإدارة الحالية في واشنطن، خصوصاً إزاء الأخطار والتحديات المحدقة بالمنطقة، لاسيما أن الملف النووي الإيراني لم يحسم بعد، والحوثيون ما زالوا يتلقون السلاح والمال ويرفضون السلام، ومفهوم الشرق الأوسط الجديد لم يتبلور ولم يكتمل بعد رغم مرور سنوات طويلة على طرحه، ورغم الإصرار على قيامه لأسباب مختلفة.

ورغم ما يقال عن السياسة الأميركية من أنها سياسة دولة المؤسسات، وبالتالي فهي لا تتغير بتغير الرؤساء والإدارات، فقد لاحظنا التحولات والتراجعات والتناقضات الأخيرة في السياسة الأميركية، مما انعكس سلباً على المنطقة ومصالحها، لنقص الوضوح في استراتيجية الدولة الأقوى والحليف الأهم للمنطقة.

ولعل هذا سبب اختلاف الاستقبال الذي حُظي به الرئيس جو بايدن مقارنةً بمن سبقه من الرؤساء الأميركيين الآخرين الذين زاروا المنطقة! فهل تعلن الإدارة الأميركية صراحةً أهدافَها واستراتيجياتِها بالوضوح الكافي، وتضع حداً لمن يقوم بزعزعة المنطقة وإزعاجها، وبث روح الكراهية والتفرقة وإشعال الطائفية وتأجيج الصراع المذهبي، مما عطَّل التنمية وهدد الهوية الوطنية للشعوب، لمآرب وأغراض خاصة!

*كاتب سعودي