حين نسمع كلمة الأمن، تتداعى في أذهان الكثير المفاهيم العسكرية والبوليسية للأمن دون أن يلتفتوا إلى أن الأمن مفهوم واسع يحتوي العديد من الأركان التي تتشابك مع بعضها. حسب قوة تلك الشبكة يشعر الفرد بالأمن والسلام داخل المجتمع الذي نطلق عليه الأمن المجتمعي. تناولتُ في عدة مقالات سابقة تحديات الأمن المجتمعي في دولة الإمارات العربية المتحدة والمؤثرات التي تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة عليه.

واليوم أتناول واحداً من أهم المحددات التي تؤثر بشكل مباشر وقوي على أمن المجتمع هو الأمن الاقتصادي. ونلخص كثيراً من التعريفات الأكاديمية عن الأمن الاقتصادي في أنه توفير الموارد الاقتصادية التي تعمل على توفير الاحتياجات الأساسية للإنسان من غذاء وسكن وتعليم ورعاية صحية وغيرها من ضروريات الحياة الأساسية وحماية الإنسان من الجوع والحاجة والفقر والمرض.

تعتبر تلك الاحتياجات قاعدة عليها نبني باقي الاحتياجات والدوافع الإنسانية كما أشار «ماسلو» في نظريته حول البناء الهرمي لاحتياجات الإنسان، حيث وضع الاحتياجات الفسيولوجية كقاعدة تبنى عليها بقية الهرم.

أثر الأمن الاقتصادي على الأمن المجتمعي أثر مباشر وعميق، فتعرض الأمن الاقتصادي للفرد للخلل يؤدي إلى تداعيات نفسية سلبية تخلق أزمات مجتمعية تترك الكثير من الآثار السلبية ومن أخطرها تهديد تماسك المجتمع وظهور سلوكيات سلبية بين الأفراد تُعرض منظومة القيم والأخلاق والعلاقات الإنسانية إلى الاضطراب.

كما أن الأمن الاقتصادي هو حتمية ضرورية لتحقيق التنمية والتطوير، التي ترعاها الدولة، فإن تعرضه للخلل سيؤدي إلى تعطيل برامج واستراتيجيات التنمية وبناء مستقبل المجتمع مما يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي. يعتمد الأمن الاقتصادي بصور أساسية على قوة اقتصاد الدولة وقدرتها على تعظيم الموارد الاقتصادية وبناء منظومة قوية قادرة على مواجهة التحديات، وخاصة أن العالم كله أصبح في العصر الحديث كتلة اقتصادية واحدة وحدوث أزمة اقتصادية في أي منطقة من العالم يكون لها تداعيات على بقية العالم مختلفة القوة.

لا يمكن أن يغفل المتابع تداعيات الأزمات السياسية على الاقتصاد، فمؤخراً تسببت الأزمة الروسية الأوكرانية في تداعيات اقتصادية سلبية تعاني منها المنطقة الأوروبية، وتتوالي الآثار على بقية العالم، كما أننا لسنا ببعيد عن التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.

ودولة الإمارات العربية المتحدة قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة في منظومة الاقتصاد العالمي، وخلال الأزمات الاقتصادية التي أصابت العالم في السنوات الأخيرة تجلى عمق واتساع رؤية قيادتنا الرشيدة في تحقيق بنية اقتصادية قوية ومتينة قادرة على امتصاص تلك الصدمات والحفاظ على الأمن الاقتصادي بنفس قوته وتحقيق معدلات رفاهية عالية للمواطن الإماراتي وكل من يعيش على أرض الدولة، فكانت استراتيجية الإمارات تكمن في تنويع مواردها الاقتصادية واتباع سياسات اقتصادية متوازنة.  جاء ذلك واضحاً في كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فكان المواطن الإماراتي هو الهدف في تحقيق الاستقرار فقال سموه (سيظل منهج راحة المواطن وسعادته ورعايته الأساس في كل خططنا نحو المستقبل بإذن الله تعالى)، وقد بيّن أن ذلك سيأتي من خلال الاستمرار في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية لدولة الإمارات وتنوع الموارد الاقتصادية للدولة، والذي حققت فيه دولة الإمارات تقدماً كبيراً، وقال:(تنويع اقتصادنا ضرورة استراتيجية أساسية ضمن خططنا للتنمية.. لذا من الضروري تسريع جهود التنمية الاقتصادية لبناء اقتصاد نشط ورائد عالمياً، وسوف نستمر في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية لدولة الإمارات وتحقيق أفضل المؤشرات العالمية في هذا المجال)، تلك الرؤية تستهدف تحقيق الأمن الاقتصادي والرفاهية للمواطن الإماراتي، والتي هي الهدف الرئيسي في استراتيجيات الحاضر والمستقبل والناتج هو تحقيق أعلى معدلات الأمن الاجتماعي والحفاظ على قوة وتماسك المجتمع الإماراتي.

*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.