كانت سريلانكا في مرحلة ما واحدةً من أفضل الاقتصادات أداءً في جنوب آسيا. وكانت دخول مواطني هذه الدولة -الجزيرة في ارتفاع، وكان أداؤها الاقتصادي جيداً فيما يتعلق بمعظم المؤشرات التنموية التي كانت مصدر إلهام لاقتصادات جنوب آسيا الأخرى. لكن وقعت جائحة «كوفيد-19»، فشلَّت القطاعَ السياحي الذي كان المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي في للبلاد. فمع إغلاق الحدود بسبب الجائحة وتوقف السياحة لمدة عامين تقريباً، جف مصدر دخلها الرئيسي. وتفاقمت المشكلات الاقتصادية بسبب تراكم سوء الإدارة الاقتصادية منذ سنوات كثيرة. 
وقررت الحكومة إبقاءَ الدولار عند سعر ثابت مما دفع المغتربين السريلانكيين إلى إرسال تحويلاتهم عبر وسائل غير رسمية أكثر ربحاً لهم. وبعد أن أصبح نقص العملات الأجنبية مشكلةً خطيرةً في أوائل عام 2021، حاولت الحكومةُ الحدَّ من هذه المشكلة عن طريق حظر استيراد الأسمدة الكيماوية ومطالبة المزارعين باستخدام الأسمدة العضوية من مصادر محلية بدلا من ذلك. وأدى ذلك إلى فشل المحاصيل على نطاق واسع، واضطرت البلاد إلى استكمال مخزونها الغذائي من الخارج، مما فاقم مشكلةَ نقص العملة الأجنبية وأدى إلى أزمة الغذاء في نهاية المطاف. 
وفشلت حكومة غوتابايا راجاباكسا في اتخاذ تدابير مثمرة لمنع المزيد من التدهور في الاقتصاد، بما في ذلك تأجيل المحادثات مع صندوق النقد الدولي. وكان قادة المعارضة والخبراء الماليون، منذ عام 2020، يحثون الحكومة على اتخاذ إجراءات، لكن الحكومة لم تستجب على أمل أن تتعافى التحويلات بعد الجائحة، وأن تنتعش صناعة السياحة. مع استنفاد الاحتياطيات الأجنبية في أعقاب العجز وضعف الائتمان، أصبحت وكالات التصنيف متخوفة بشأن المالية العامة للحكومة وعجزها عن سداد ديون خارجية كبيرة. وقد أدى هذا بدوره إلى خفض التصنيف الائتماني لسريلانكا بدءاً من عام 2020، وحُرمت البلاد من الأسواق المالية الدولية. ولتحقيق التوازن في الاقتصاد، استخدمت الحكومة احتياطياتها من العملات الأجنبية التي استهلكت أكثر من 70% في غضون عامين.
وأدت حرب أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود ودخلت سريلانكا في دوامة هبوط أصبح من الصعب التعافي منها بشكل متزايد. وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي ولم تتمكن الحكومة من استيراد حتى المواد الأساسية، وتعثرت في سداد نحو 12 مليار دولار من الديون الخارجية، وعليها الآن مستحقات تبلغ نحو 21 مليار دولار يتعين سدادها بحلول نهاية عام 2025. وارتفع التضخم إلى 55% بحلول يونيو الماضي، مع تحذيرات من أنه قد يرتفع إلى 70% في الأشهر المقبلة. 
وتسببت الأزمة الاقتصادية في اندلاع احتجاجات وفي حدوث فوضى. وكانت عائلة راجاباكسا في يوم من الأيام تبعث على الكثير من الأمل لأنها قضت بحزم على الحرب الأهلية في سريلانكا. لكن أغلبية الرأي العام انقلبت ضدهم بسبب الأزمة الاقتصادية التي أثّرت سلباً على الحياة اليومية. وبدأ كل شيء برحيل رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا عقب اشتباكات عنيفة بين مؤيديه وخصومه المحتجين. ثم اضطر شقيقه الرئيس جوتابايا نفسه إلى مغادرة البلاد بعد أن اقتحم محتجون مقر إقامته الرسمي. 
ولم يستطع رانيل ويكرمسينغه، رئيس الوزراء الذي كان قد أدى اليمين لمنصبه في مايو الماضي، أمام جوتابايا، تهدئةَ الاحتجاجات أو التوصل لحل فوري للأزمة. وملأ ويكرمسينغه الآن فراغَ السلطة السياسية ووعد بمتابعة العملية الدستورية بعد انتخابه كرئيس جديد بدعم من حزب «جبهة الشعب السريلانكي» الحاكم الذي ينتمي إليه الأخَوان راجاباكسا ويتمتع بالأغلبية ويسيطر على البرلمان.
وبالنسبة لسريلانكا، فالخروج من الأزمة الاقتصادية سيكون عمليةً طويلةً. فقد تأجلت المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة الإنقاذ في غمرة الاحتجاجات وعدم اليقين السياسي. وهذه المحادثات حاسمة لسريلانكا من أجل الحصول على الدعم المالي من الدول الأخرى التي تنتظر صندوق النقد الدولي حتى يضع برنامجاً للدعم المالي. وبمجرد حدوث ذلك، ستتقدم دول أخرى أيضاً. 

ومن ناحية أخرى، سيتعين على سريلانكا حالياً الاعتماد على المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها، بما في ذلك من الهند التي ظهرت كمصدر رئيسي لمساعدة هذه الدولة -الجزيرة على الخروج من أزمتها. والتزمت الهند بتقديم 3.8 مليار دولار كمساعدات طارئة تشمل مبادلةً بقيمة 400 مليون دولار وخطوط ائتمان يبلغ مجموعها 1.5 مليار دولار. وأرسلت 12 شحنةً بأكثر من 400 ألف طن وقود، بما في ذلك الديزل، بالإضافة إلى مواد غذائية مثل الحليب والإمدادات الطبية. وتسعى سريلانكا أيضاً للحصول من الهند على خط ائتمان إضافي بقيمة مليار دولار، وعلى خط منفصل بقيمة 500 مليون دولار لواردات الوقود. لكن أهم شيء بالنسبة للبلد الآن هو الاستقرار السياسي. ويتعين على رانيل ويكرمسينغه تحقيق الاستقرار السياسي، وإلا سيتفاقم الوضع الاقتصادي. لقد أقر بالفعل أنه من غير المرجح أن تتعافى البلاد حتى عام 2026، مما يعني أنه أمام البلاد طريق طويلة للغاية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. والتحدي الرئيسي أمام ويكرمسينغه هو ضمان الوحدة السياسية للمساعدة في إخراج البلاد من الفوضى الاقتصادية. ومن الواضح أنه سيتعين عليه اتخاذ قرارات صعبة لإعادة ملء خزائن الحكومة وإعادة بناء الاقتصاد. 


رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي