للحرب في أوكرانيا عواقب وتداعيات استراتيجية على الصعيد الدولي، مثلما لديها تداعيات محددة ومهمة بالنسبة لفرنسا. 
وفي هذا السياق، لا شك أن للحرب تأثيراً كبيراً على ما كان يمثّل ميزة لفرنسا منذ بداية «الجمهورية الخامسة» على الأقل. فقد كان من المهم دائماً بالنسبة لفرنسا الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو – عاصمة الاتحاد السوفييتي أو روسيا – من أجل الاحتفاظ بهامش مناورة وتوسيع مجال تحركها، ولاسيما إزاء واشنطن.

هذه الخصوصية باتت في حالة سبات عميق الآن. إذ لم يعد بإمكان فرنسا نسج علاقات قوية ومستقلة مع روسيا وذلك على اعتبار أن هذا الأمر سيُنظر إليه على أنه خيانة من قبل أعضاء «الناتو». وعلى كل حال، فإن باريس لم تعد ترغب في أن تكون لها علاقات خاصة مع بلد انخرط في عدوان مسلح ويرتكب جرائم حرب.

ومن جهة أخرى، لطالما دعت فرنسا إلى استقلال استراتيجي أوروبي، الذي كان يمثّل شقاً مهماً من سياسة ديغول الخارجية ثم تبناه ميتيران والرؤساء الآخرون من بعده. هذا الحلم يبدو اليوم غير قابل للتحقيق، على الأقل على المدى القريب. وإذا كان إيمانويل ماكرون قد أعلن في نوفمبر 2019 أن الناتو في حالة موت دماغي، فإن الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي هو الذي أضحى في حالة موت دماغي اليوم. والدعوة إلى هذا الأمر الآن يمكن أن تكون متعارضة مع التضامن الغربي الضروري. ثم إن الناتو هو الذي بعثت فيه الروح من جديد الآن، الناتو الذي لم يسبق له أبداً أن كان بمثل هذه القوة والوحدة من قبل. ذلك أن فلاديمير بوتين، ومن خلال قراره شن عملية عسكرية في أوكرانيا، أيقظ منظمة كانت الأسئلة تثار حول أسباب بقائها. 
والواقع أن الوجود الأميركي في أوروبا لم يكن يوماً مقبولاً ومطلوباً بمثل هذا القدر.

فأغلبية كبيرة من البلدان الأوروبية أعلنت زيادة في نفقاتها العسكرية من أجل اقتناء معدات عسكرية من الولايات المتحدة، بشكل خاص، على حساب تطوير معدات أوروبية. وفي الأثناء، باتت السويد وفنلندا، البلدان المحايدان – منذ أكثر من 200 عام بالنسبة للسويد ومنذ 77 عاماً بالنسبة لفنلندا – اللتان لم تريا داعياً للانضمام إلى الناتو عندما كان ستالين في السلطة، تريان أنه من الضروري الانضمام إليه بسبب التهديد الروسي الراهن، بل إنهما، ومن أجل تسريع انضمامهما إلى الحلف، قبلا شروطاً فرضتها تركيا بخصوص المسألة الكردية. ويمكن القول إنه لا يوجد بلد أوروبي اليوم يرى نفسه قادراً على الاستغناء عن المساعدة الأميركية من أجل الاحتماء من التهديد . 
فوق هذا الاعتماد الاستراتيجي والعسكري إزاء واشنطن، تمت إضافة الاعتماد على مصادر الطاقة. كانت أوروبا قد لجأت إلى روسيا من أجل الحد من اعتمادها على الخليج العربي، الذي كانت تعتبره متقلباً من الناحية الاستراتيجية لحد مفرط. ولكن من اليوم فصاعداً، ستلجأ هذه البلدان إذن إلى الولايات المتحدة، التي ستشتري منها مواد أولية أكثر تلويثاً وأغلى سعراً. وفضلاً عن ذلك، فإن تنافسية ألمانيا ستتأثر نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، وذلك على اعتبار أن نموذجها الاقتصادي يعتمد اعتماداً مفرطاً على الطاقة الرخيصة التي يوفرها خط أنابيب الغاز القادم من روسيا. 
في هذا السياق، ما الذي تستطيع أن تفعله فرنسا؟ إزاء فقدان هوامش مناورة، تستطيع فرنسا التكيف مع هذا الوضع الجديد وبالتالي محاولة تقلد دور بريطانيا عبر جعل نفسها خير حليف للولايات المتحدة. والواقع أن البعض في فرنسا يدافع عن هذا الخط منذ عدة سنوات. 
غير أن فرنسا يمكنها أيضاً أن تقول، على العكس من ذلك، إن الأمر لا يتعلق سوى بلحظة في التاريخ وإنه لا ينبغي الإساءة إلى المستقبل. وبذلك، يمكن أن تشهد السمةُ المميزة الاستراتيجية لفرنسا حياةً جديدةً. 
ولا شك أنه من الأساسي الحفاظ على الفكرة التي مؤداها أنه ليس العالم الغربي ضد كل الآخرين، وهذا انحراف يبدو أن الناتو وبعض أعضائه يقعون فيه أحياناً. بل ينبغي إدراك أن بقية العالم لا تفكر مثل الغرب وأن هذا الأخير لم يعد الوحيد في الساحة، مثلما كان عليه الحال من قبل. 
وعليه، يجدر بفرنسا أن تصغي إلى البلدان غير الغربية إذا كانت تريد الاستمرار في لعب دور معين وفي أن يكون لها، مرة أخرى، دور أكبر ممن وزنها. وضمن تقليد دائم لـ«الجمهورية الخامسة»، لطالما كان حمل المصالح الكونية والجماعية حقاً وليس المصالح الغربية الخالصة هدف فرنسا. ولهذا، لا يجب الخلط بين المجتمع الغربي والمجتمع الدولي، مثلما تفعل ذلك في كثير من الأحيان بعض البلدان الغربية. ولا شك أن هناك دائماً دوراً محدداً ينبغي أن تضطلع به فرنسا من أجل الحؤول دون أن يؤدي الوضع إلى تعارض بين العالم الغربي وبقية العالم من غير المؤكد أن يخرج منها الغرب منتصراً. 
وختاماً، إن لدى العالم الغربي القليل الذي يمكن أن يكسبه من العمل، عن وعي أو عن غير وعي، على انتصار هذا الانقسام الجديد في العالم.
مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس