طرحت جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأخيرة في أفريقيا علامات استفهام حول الصراع الجيوستراتيجي المتجدد في قلب القارة السمراء، وهي الأقل نموا في العالم، وإنْ كانت لا تزال متميزة عن بقية قارات العالم من ناحيتين هما: الموارد والفرص التنموية.
أما عن الموارد، فلاتزال أفريقيا في غالب مواضعها ومواقعها، قارة بكر مليئة بخيرات الطبيعة، وعامرة بكنوز الأرض، من نفط وغاز ومعادن، إضافة إلى مساحات واسعة وشاسعة قابلة للزراعة.
فيما الفرص، فتتمثل في حاجتها إلى بنية تحتية، وقد قدر بعض علماء الاقتصاد أن هناك فرصاً لعشرات السنين، وربما تصل مائة عام، للعمل على إنشاء دول عصرانية من حيث البناء والتشييد، وتجهيز الموانئ والمطارات، وتجهيز الجيوش.
عرفت بعض دول أفريقيا علاقات متميزة وقوية مع الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي أعتبر وقتها إزعاجا شديدا للولايات المتحدة الأميركية، والتي التقطت أنفاسها بعد تفكك الستار الحديدي.
اليوم لم تعد القارة الإفريقية ملعبا واسعا ومتسعا للروس والأمريكيين فقط، فهناك فرنسا الدولة الوكيل عن القارة الأوروبية، تحاول تعزيز حضورها وسط أفريقيا بتنويعات مختلفة، ثقافية تارة، واقتصادية تارة أخرى، وعسكرية مرة ثالثة.
أما الطرف الذي بات الأمهر في التعاطي مع الأفارقة، فهو الصين، والتي رغم ما تعرضت له من ضغوطات خلال العامين الماضيين جراء ما جائحة كوفيد -19، إلا أنها عرفت جيدا كيف تستغل فوائض الأموال، وتراكمات رأس المال، بهدف فتح مسارات أفقية، ومساقات رأسية في قلب دول أفريقيا، وهي التي لم تربط يوما ما بين ما تقدمه من قوض ومنح ومساعدات، وبين مشروطية حقوق الإنسان، وأوضاع الأقليات، وبقية المنظومة الغربية الهلامية، لا سيما في جانبها الأميركي.
تبدو ملامح الصراع الجيوستراتيجي في أفريقيا متباينه، فالأمريكيون يهتمون لمواطئ قدم لحضورهم العسكري، لا سيما بالقرب من المحيطات والبحار الكبرى، فهم يؤمنون بأن من يسيطر على حركة البحار، قادر على كبح جماح التمرد القطبي القائم أو القادم، ولكن بات يعوز واشنطن القدرات المالية التي عرفت بها منذ انتصارها في الحرب العالمية الثانية، ومن هنا نفهم التزام قادة مجموعة السبع، في قمتهم الأخيرة في ألمانيا، رصد مبلغ 600 مليار دولار، لتمويل البنية التحتية المطلوبة في الدول النامية ومواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني.
الصينيون في قلب أفريقيا يتطلعون إلى المزيد من المواد الأولية، بأرخص الأثمان، وضمان فتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتهم، والمشاركة وبقوة في الحصول على أكبر نصيب من الكعكة الخاصة بأعمال التنمية والبناء، ومنافسة الأميركيين والأوروبيين.

وبدا واضح أن روسيا انتقلت من مواقع الدفاع إلى الهجوم، وذلك عبر بلورة تحالفات سياسية جديدة، ومحاولة إدماج الكثير من دول القارة في علاقات مناوئة للغرب عامة وأميركا خاصة.
ويبقى السؤال المهم: هل لدى الأفارقة أنفسهم رؤية ولو براغماتية للاستفادة من هذا التنافس العالمي بحيث يصب في صالح أوطانهم ومواطنيهم؟