تُؤكد التطورات التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة تجذُّر المفاهيم الإنسانية والحضارية فيها، بدءًا من المؤسسات الرسمية، وانتهاءً بأبناء الدولة الذين يعيشون في ظروف تساعد على تحوُّل هذه المفاهيم إلى قيَم راسخة في شخصياتهم وعقولهم وممارساتهم. وتضرب وزارة الداخلية في دولة الإمارات مثلًا على التطبيق الخلَّاق لهذه المفاهيم الإنسانية من خلال إعلانها قبل أيام أنها بصدد إطلاق برنامج لاستكمال التعليم العالي داخل المؤسسة العقابية والإصلاحية الاتحادية في أبوظبي، يتيح للنزلاء استكمال دراستهم في التخصصات التي يتطلّعون إلى الالتحاق بها.
وينطلق اهتمام وزارة الداخلية بهذا الملف من إيمانها بأن توفير التعليم لنزلاء المؤسسات الإصلاحية والعقابية يتجاوز كونَه أحد الحقوق التي تنصُّ عليها مواثيق حقوق الإنسان المحلية والدولية، إلى كونه «واجبًا» تضطلع الدولة بأدائه وتُقدِّم له من التسهيلات وعوامل الجذب ما يحفّز النزلاء على الانضمام إليه، لتطوير قدراتهم وتحسين فرص حياتهم بعد انتهاء الفترة التي سيقضونَها في المؤسسة العقابية والإصلاحية.
ينطلق هذا الإحساس بالواجب من قيم إماراتية، أولها الاحترام المطلق للإنسان، أيًّا كان دينه أو لونه أو جنسيته، بوصفه الثروةَ الأهم والأسمى، والإيمان بضرورة توفير كلّ ما من شأنه أن يجعل حياتَه أيسر وأفضل، والتعليم ركن أساسي في هذه الرؤية. وينطلق الإحساس بالواجب أيضًا من قيمة «التسامح»، ذلك أنه إذا كان كثير من الناس يعتقدون أن التسامح يقتصر على احترام الديانات والمعتقدات والثقافات، فإن تجذُّر هذه القيمة في دولة الإمارات يجعلها تمتدُّ لتشمل القدرة على الصفح والتعاطف مع من تورَّطوا في ارتكاب أخطاء قادتْهم إلى المؤسسات العقابية، واعتبار توفير كلّ فرص استعادة حياتهم الطبيعية هدفًا ساميًا يستحق ما يُبذل فيه من جهد.
وضمن برنامجها لاستكمال التعليم العالي، خصّصت وزارة الداخلية لهذا الغرض قاعة سمَّتها «قاعة العطاء»، وفّرت فيها كل المستلزمات التي تجعل العملية التعليمية أكثر يسرًا. ويتضمّن البرنامج كذلك محاضرات يُقدُّمها مختصون في موضوعات تعليمية وثقافية ودينية ومجتمعية، تتيح فرصًا مستمرة للتفاعل العقلي والعلمي، وتحفّز النزلاء وتُشجِّعهم على مواصلة مسيرتهم التعليمية، وتُذكي لديهم الرغبة في النجاح والتفوق.
إن الحرص على توفير أفضل فرص التعليم لنزلاء المؤسسات الإصلاحية والعقابية، يفتح أمامهم باب الأمل في مستقبل أفضل، في ظلّ تأكّدهم من أن الدولة والمجتمع يمنحانهم كل التفهم والعناية والدعم، وهو ما يمثّل حجر الأساس في مُضيهم في الحياة وهم أكثر ثقة ويقينًا وعرفانًا، وأقدر على استعادة حياتهم الطبيعية والإسهام الإيجابي في نهضة المجتمع وتقدُّمه.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية