أعربت المفوضة الصحية الحكومية في إحدى مقاطعات ولاية نيويورك، عن قلقها من أن الفيروس المسبب للمرض المعروف بشلل الأطفال، ينتشر على نطاق واسع، وبشكل متخفي، في مختلف مقاطعات الولاية، والولايات الأخرى. مصرحة لوسائل الإعلام، أنه ربما يكون هناك بالفعل مئات، وربما الآلاف، من الحالات غير المشخصة. ويأتي هذا التصريح، بعد الإعلان الشهر الماضي، عن إصابة شخص بالشلل في هذه المقاطعة، نتيجة تعرضه للعدوى بالفيروس. وبناء على أن من بين الحالات التي تتعرض للعدوي، يُصاب أقل من1% منهم فقط بالشلل، يمكن فهم كيف تنبأت المفوضة الصحية بأن العدد الحقيقي للحالات المصابة، هو المئات أو الآلاف، حيث لا يتم تشخيص الغالبية العظمى من حالات العدوى، كونها لا تصاحب بأي أعراض، أو تكون أعراضها خفيفة، ومشابهة لأعراض نزلات البرد أو الإنفلونزا.

وحذرت المفوضة الصحية الحكومية من أن الوضع قد يشكل خطراً داهماً على الصعيد العالمي، في ظل حقيقة أن التحليل الوراثي للفيروس الذي تسبب في شلل المريض في نيويورك، يتشابه وراثياً مع التركيب الوراثي لبقايا فيروسات، اكتشفت في مياه الصرف الصحي لبعض المدن الكبرى، مثل لندن والقدس. وتنتمي هذه الفيروسات جميعها للنوع المستخدم في التطعيمات المعتمدة على فيروسات حية، تم إضعافها، تحورت وأصابت لاحقا أشخاص لم يتلقوا أي تطعيم من قبل. ولذا تزايدت مؤخرا مطالبات الأطباء والعلماء، للدول المتقدمة بضرورة زيادة معدلات التطعيم بين شعوبها، حيث تراجعت هذه المعدلات بشكل كبير خلال السنوات والعقود الأخيرة، بعد انحسار خطر هذا المرض بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، بلغ معدل التطعيم في المقاطعة التي تعرض فيها الشخص للشلل الشهر الماضي، مجرد 60%، وهو معدل أقل بكثير من المعدل الضروري لوقف انتشار الفيروس بين السكان.
وينتج شلل الأطفال (Poliomyelitis) من العدوى بفيروس معين، يمكنه أن يصيب الأطفال، أو البالغين، بالشلل، ولذا تعتبر ترجمته إلى العربية، ترجمة معيبة. وحتى منتصف خمسينيات القرن العشرين، كان من المعتاد أن تتعرض المدن الكبرى حول العالم، لوباء أو أكثر من شلل الأطفال سنويا. ففي عام 1915 مثلا، فر الآلاف من سكان مدينة نيويورك إلى الضواحي، بعدما أصاب وباء شلل الأطفال المدينة، مسببا شلل 27 ألف شخص، لقي تسعة آلاف منهم حتفهم بسبب مضاعفات المرض. ونجح الطب الحديث في تحقيق اختراقات مهمة أمام هذا المرض، تجسدت في تطعيمات ولقاحات فعالة. ففي عام 1954 تم اكتشاف أول تطعيم ضد الفيروس، وبعدها بثلاثة أعوام تم اكتشاف نوع أفضل، وهو النوع المستخدم حتى الآن. ويكفي لإدراك مدى نجاح جهود مكافحة هذا الفيروس اللعين، أن عدد الإصابات انخفض من 350 ألف إصابة سنويا عام 1988، إلى بضع مئات فقط حاليا.
* كاتب متخصص في الشؤون العلمية