بعد حروب النفط والمياه هل تفرز الممرات غير الآمنة الحالية في أوكرانيا أزمة جديدة؟ الخوف يتمثل في اشتعال حروب القمح والحبوب، بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها وانعكاسها على المنطقة والعالم كله. أوكرانيا مصدر أغلب الحبوب والقمح، ما انعكس سلبا على الأسواق الأوروبية والعربية بعد اندلاع الحرب الدائرة الآن. 
معظم الدول العربية تعتمد في استهلاكها من الدقيق على القمح الروسي والأوكراني، بنسبة كبيرة جدا لم نكن نعرفها من قبل، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى التحذير من الآثار السلبية، التي ستتركها هذه الحرب التي قسمت الشرق والغرب. فعلى سبيل المثال، استوردت مصر- وهي أكبر الدول العربية سكاناً- من القمح 5.5 مليون طن عام 2021، مقابل نحو 3.5 مليون طن محلياً من المزارعين المحليين، واستوردت نحو 12.9 مليون طن في 2020 للحكومة والقطاع الخاص بقيمة 3.2 مليار دولار، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ومعظم هذه الواردات من أوكرانيا وروسيا، حيث تصل نسبة واردات مصر من القمح الروسي والأوكراني إلى 70% من احتياجات البلاد، كما أنها الأولى عالمياً في استيراد نبات الذرة من أوكرانيا.
وكما هو الحال بالنسبة لمصر، تعتمد دول عربية أخرى على القمح الروسي والأوكراني مثل السودان واليمن ولبنان وحتى سوريا التي كانت من الدول المكتفية ذاتياً قبل اندلاع الصراع فيها، حيث اضطرت إلى شراء 1.5 مليون طن من القمح في عام 2021، معظمها من روسيا.
أما في لبنان فقد أكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام في 25 فبراير الماضي، أن احتياطيات لبنان من القمح تكفي شهراً على الأكثر، وأن لبنان يسعى إلى عقد اتفاقيات استيراد من دول مختلفة رغم تدهور وضعه الاقتصادي وتحطيم مرفأ بيروت لصوامع الحبوب، في ظل مخاوف في السوق بسبب الأزمة الأوكرانية الحالية، مشيراً إلى أن بلاده، تستورد معظم احتياجاتها من القمح من أوكرانيا، وأنها تجري محادثات مع دول أخرى لاستيراد القمح، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وفرنسا، وبعض الدول الأوروبية.
وتفيد المصادر أن لبنان يستورد ما بين 600 و650 ألف طن سنوياً، 80% منها من أوكرانيا مما جعل لبنان يعيش أزمة خبز وتقف الطوابير على الرغيف، وفي المغرب العربي لا يبدو الحال أفضل منه في الدول العربية الأخرى، حيث تستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، كما أن الجزائر تعد ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا، وخامس مستورد للحبوب في العالم، وكذلك الحال بالنسبة للمغرب وليبيا، إضافة إلى دول الخليج العربي التي تستورد كميات كبيرة من القمح من روسيا وأوكرانيا أيضاً، 
ويعتبر الشرق الأوسط ثالث أكبر مستورد للقمح الأوكراني في موسم 2020 2021، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية.
وحذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه إذا طالت الحرب ستتضرر إمدادات القمح «للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، فقد تؤدي الأزمة إلى اضطرابات جديدة وعدم استقرار في المنطقة».
ويقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن «منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متضررة بشدة بالتأثير المتواصل للأزمة الأوكرانية نظرا لاعتماد دول شمال أفريقيا الشديد على واردات الغذاء، ما يجعلها عرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية». وأضاف: «تستورد المنطقة حوالي 42 بالمئة من القمح و23 بالمئة من الزيوت النباتية من روسيا وأوكرانيا. تستورد مصر، ليبيا، لبنان، اليمن، تركيا، تونس، وأرمينيا ما لا يقل عن نصف احتياجاتها من القمح والزيوت من أوكرانيا وروسيا بينما تعتمد العديد من دول المنطقة بشكل معتدل على الواردات من الزيوت النباتية من الدولتين».
وتواجه دول عربية كثيرة، تعتمد على استيراد القمح الروسي والأوكراني، تحديا كبيرا لضمان إمداداتها الغذائية، في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا والعقوبات الغربية الواسعة المفروضة على روسيا. وكانت مصر خفضت قيمة عملتها المحلية أمام الدولار الأميركي قبل نحو شهرين بنسبة بلغت حوالي 17% في محاولة للحد من تبعات أزمة حرب أوكرانيا.
ولا يختلف الوضع الاقتصادي في كل من اليمن وليبيا والسودان وسوريا وإن اختلفت بعض أسباب التدهور الاقتصادي، لكن يبقى وباء كورونا وحرب أوكرانيا من ضمن الأسباب المشتركة التي أدت إلى سوء الوضع الاقتصادي في الدول العربية وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير معتاد.
* كاتب سعودي