تتسم المرحلة الراهنة التي يعيشها لبنان بحالة «الانتظار المقلق» لمعرفة آفاق المرحلة المقبلة، وذلك في ضوء تطورات إقليمية تحدد مصير ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. وإقليمية – دولية مرهونة بنتائج مفاوضات فيينا وتوقيع اتفاق نووي جديد بين إيران والدول الست الكبرى بقيادة الولايات المتحدة.أما التطورات المحلية التي تشهد مخاطر الانهيار المالي والاقتصادي الذي اتسم به عهد العماد ميشال عون(من31أوكتوبر 2016، وينتهي في31أوكتوبرالمقبل)، فإن هناك قناعة لدى معظم اللبنانيين بأن هذا «الانهيار الكبير» وحجمه يحددان ملامح الرئيس المقبل وآليات الوصول إلى تسوية رئاسية.
ولكن في حال استمرار الخلاف المستحكم بين القوى السياسية، وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووقوع البلاد في«فراغ دستوري»في ظل فقدان الدواء والمواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، وعجز المؤسسات والإدارة والقضاء، وانهيار القطاع الصحي والاستشفائي، فضلا عن اشتداد عزلة لبنان الخارجية نتيجة انعدام ثقة المجتمعين العربي والدولي.الأمر الذي يزيد في تعميق «فجوة» المخاطر المالية والمعيشية، بما يهدد باضطرابات أمنية، وتحركات شعبية إحتجاجية، تعيد الزخم لتفعيل «ثورة17 أكتوبر2019». 
لقد انكمش بشدة، وبشكل مستمر، حجم الاقتصاد خلال ثلاث سنوات، حيث تراجع من55.2مليار دولار عام 2018، الى21 مليار دولار العام الماضي، ويقدر أن يصبح فقط14.1مليار دولار بنهاية العام الحالي. وكذلك تراجعت حصة الفرد من 8000 إلى 2092 دولار سنويا. ومع تدهور سعر صرف الليرة، تقلص حجم الدين من90 ملياردولارإلى38 مليار دولار، لأن نحو 60ملياردولار من هذا الدين هي بالليرة، لكن الناحية السلبية الخطيرة تكمن في زيادة عبء الدين على الاقتصاد بكل مكوناته، وارتفاع نسبته للناتج المحلي من 171% إلى 272% وهي أعلى نسبة في العالم. وقد دفعت هذه التطورات 80% من السكان إلى تحت خط الفقر، مع فقدان العملة الوطنية 95%ٌ من قيمتها.
ولكن اللافت، بنتيجة قراءة معمقة للمالية العامة، أقر البنك الدولي بوجود نوعين من الدين العام الأول شرعي ويشمل الحاجات التمويلية التي وافق عليها مجلس النواب ويشكل فقط ثلث الدين القائم، مقابل الثلثين للدين غير الشرعي، أي أن معظم ما أنفقته «النخبة الحاكمة» رتب على خزينة الدولة دينا غير شرعي، مع التأكيد أن الاقتراض العام خدم أهدافا غير تمويل العجز العام. ووصف البنك السياسة المالية في لبنان بأنها «مكون أساسي من نموذج النمو المعيب الذي كان عرضة للصدمات الداخلية والخارجية المفرطة»، علما أن بعض الدراسات وصفت الدين اللبناني بأنه لم يكن لأغراض تنموية، بل لدفع فوائد مرتفعة إلى حاملي السندات، وهو تحويل ممنهج لإثرائه. وبما أن الدائن كان يعلم ذلك، ما يجعله شريكا فاعلا لعملية التضليل التي رافقت تلك العملية وساهمت في إفساد المجتمع وضرب الاقتصاد، بما يهدد الأمن القومي الوطني. 
أما بالنسبة للمعوقات الأساسية للتنمية التي فشل عهد الرئيس عون في تذليلها، فهي لا تزال قائمة، وتتلخص باستيلاء «النخبة» على السلطة تحت ستار الطائفية، والتعرض للصراع والعنف، وقد أوجدت نظاما سياسياً هشاً قاصراً، ودولة عاجزة عن عزل الصراع السياسي عن قدراتها للحكم وممارسة السلطة، لذلك يأمل اللبنانيون من الرئيس الجديد المرتقب انتخابه، معالجة هذه المعوقات في إطار خطة إصلاحية ذات مصداقية لتعاف شامل ومنصف لتحقيق الاستقرار المالي الكلي، واستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي، بما يوفر قروضاً ومساعدات مالية تتجاوز20 مليار دولار، لتمويل مشاريع الخطة وتسريع وتيرة تنفيذها لتفادي دمار كامل لشبكاته الاجتماعية والاقتصادية، وإيقاف الخسائر التي تتراكم يوما بعد يوم، وتستنزف أموال اللبنانيين. 
* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية