لم يكن خطاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة الذي وجهه لشعب الإمارات والعالم في يوليو الماضي حدثاً عابراً في سياق مجريات الأحداث الطبيعية للدولة، كما لم يكن خطاباً كسائر خطابات القادة لشعوبها، كان خطاباً متفرداً وملهماً لنا ولأجيال بعدنا قادمة، كان حديث عقول تدرك صعوبات تاريخها، وتحديات واقعها، ومتطلبات مستقبلها، كان حديثاً يعبر من حكمة العقل وقلب المحب، ذلك العقل الذي حقق للإمارات «الصدارة العالمية»، والقلب الذي احتضن بأمانة وإخلاص آمال وتطلعات الشعب، فكان المواطن نهجاً للتنمية الوطنية وهدفها.
وكمواطنة إماراتية عشت بدايات تأسيس الدولة وعاشتني، بمراحل البناء والتمكين والتنمية والازدهار، اختالتني الكثير من المشاعر وأنا استمع لخطاب صاحب السمو رئيس الدولة، مررت بتاريخ وطننا وتحدياته، وتضحيات رجاله وقادته، تاريخ نشرف لكونه معبراً عن تاريخنا الوطني، ونستشعر حجم المسؤولية التي علينا تجاهه، وزاد من تلك المشاعر ذلك الإخلاص والإحساس الذي تدفق مع كلمات صاحب السمو رئيس الدولة، وتلك المشاعر التي تجلت في رسائله لشعب الإمارات العظيم، ولكافة إخواننا في الإنسانية لاسيما من يقاسموننا العيش على أرض الإمارات أرض السلام والتسامح.
قبل أكثر من خمسين عاماً اجتمعت الإرادة الوطنية الجمعية في الإمارات على تأسيس دولتنا التي كانت حلماً صعب المنال في ذلك الوقت، في ظل الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فاهتموا بالإنسان كونه عماد التنمية والنهضة والبناء، وتسلحوا بالعلم والمعرفة التي اعتمدوا عليها لبناء الإنسان الإماراتي القادر على تحقيق المنجزات للوطن، أدركوا أهمية الاقتصاد فأسسوا نهضة اقتصادية وطنية للدولة، وسعوا لبناء المؤسسات التعليمية ومراكز العلم والمعرفة لنقل وتوطين منظومة شاملة للعلوم والمعرفة، ومن ذلك انطلقوا لتحقيق الريادة العالمية في الكثير من المؤشرات العلمية والاقتصادية والتنموية.

ولجيلنا الذي أستلم أمانة الوطن من الآباء المؤسسين، نستشعر حجم المسؤولية التي تقع على عاتقنا، فقد ساهمنا في بناء الوطن ونهضته طوال الخمسين عاماً الماضية، استثمرت فينا الدولة الكثير، وسخّرت لنا كل الموارد والإمكانيات، فكنا المحور الرئيسي في تنفيذ الاستراتيجيات والخطط والمبادرات الوطنية التي استهدفتها الدولة في مرحلتي التأسيس والتمكين، كما كانت الدولة الحاضنة الرئيسية لنا لتحقيق الريادة والتمييز للوطن، استشعرنا الوطن في أمانة آبائنا لنا وواجبنا الحفاظ عليها وإعلائها.

ولأن جيل الشباب من أبناء وطننا يمثل الغالبية العظمى من أبناء الوطن، فقد خصهم صاحب السمو رئيس الدولة بجزء رئيسي في خطابه السامي. ونقول لهم: خذوا من خطاب سمو رئيس الدولة نبراساً لطريقكم، وزاداً لرحلتكم الطويلة في استكمال بناء الوطن وتعزيز ريادته ونهضته. رحلة الإمارات بدأت في خمسينيتها الثانية مع تولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئاسة الدولة. الوطن يثق في الشباب ويعول عليهم الكثير في تعزيز مكانته الدولية بعد أن أصبح وطننا محوراً رئيسياً في منظومة دول العالم، وعنصراً أساسياً في الاقتصاديات العالمية، ومرتكزاً مهماً في تعزيز المعرفة الإنسانية وتطور منظومة العلوم والتنمية والتكنولوجيا الحديثة، وطناً تمتد أذرعه بعيداً في تحقيق التنمية المستدامة بالعالم، وينافس كبريات الدول في علوم استكشاف الفضاء وتسخيرها. وطننا يظل كبيراً بكم، وسيكبر ويرتقي أكثر وأكبر بكم، وطننا هو وصيتنا لكم، فكونوا أمناء على الوصية كما كنا حريصين على الأمانة.

*كاتبة إماراتية