احتفلت الهند وباكستان هذا الأسبوع بمرور 75 عاما على استقلالهما عقب نهاية الحكم الاستعماري البريطاني في شبه القارة الهندية، مما يمثّل محطة مهمة في تاريخ البلدين. البلدان بدآ رحلتهما المستقلة معا في 1947.
كان الهنود محظوظين نوعا ما على اعتبار أن زعماءهم، الذين ناضلوا من أجل استقلال البلاد، صمدوا لفترات أطول بعد نيل الاستقلال لتوجيه البلاد على المسار الصحيح للتنمية وبناء الدولة. فقد حكم جواهر لال نيهرو البلاد كرئيس للوزراء في الهند المستقلة الفتية على مدى 17 عاما كاملة قاد خلالها البلاد ليس على طريق التنمية والتصنيع فحسب، ولكن أيضا على طريق زرع قيم الديمقراطية وترسيخها في قلوب الأمة الشابة وعقولها. ولهذا شهدت الهند وتمتع الهنود بديمقراطية متواصلة منذ الاستقلال.

تُعد الهند اليوم واحدا من أكبر اقتصادات العالم وأصبحت بلدا مهما على الساحة الدولية. إذ ارتقت من وضع دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية. ووصف صندوق النقد الدولي الهند بأنها واحد من أسرع الاقتصادات نموا في العالم. كما أخذت البلاد تجد مكانتها على الساحة العالمية؛ إذ باتت جزءا مهما من "المنتدى الأمني الرباعي"، وهو عبارة عن تجمع يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا ويسعى إلى حماية حرية الملاحة في البحار وضمان أن تبقى مناطق الهند المحيط الهادي متمتعة بالسلام.
ومما لا شك فيه أن الهند حققت قفزات كبيرة منذ حصولها على الاستقلال؛ ولكن ذلك لا يعني أنه ليست لدى الهند تحديات ينبغي أن تعالج. فالفقر ما زال يمثّل مشكلة بالنسبة لهذا البلد الجنوب آسيوي؛ والبلد في حاجة إلى مواصلة النمو بوتيرة سريعة من أجل نقل فقرائه إلى الطبقة المتوسطة. والحال أن هذا الجهد شهد انتكاسة لمدة عامين بسبب جائحة كوفيد 19 التي عطّلت الاقتصاد. وعلاوة على ذلك، يتعين على البلد معالجة مشاكل مثل سوء التغذية بين الأطفال وتأمين التعليم الشامل والمنشآت الصحية لمواطنيه. كما يتعين عليه أيضا خلق وظائف ذات جودة وقيمة مضافة لمئات الآلاف من الهنود الشباب الذين يدخلون سوق العمل حتى يستطيع الاستفادة من العائد الديمغرافي.
تسببت جائحة كوفيد 19 التي عطّلت الاقتصادات عبر العالم وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية أفي تدهور حال الاقتصاد المتضعضع أصلا. وكان صندوق النقد الدولي منح باكستان حزمة إنقاذ مالي بقيمة 6 مليارات دولار في 2019؛ وهو يقوم حاليا بتمديد البرنامج إلى 2023 مع إضافة مليار دولار أخرى.
وفي الأثناء، ما زال الاقتصاد يشكّل مصدر قلق لباكستان حيث تطرح فاتورة وارداتها الكبيرة مشكلةً كبيرةً توسِّع عجز ميزانية البلاد. وعلاوة على الأزمة الاقتصادية الممكنة، فإن الهجمات الإرهابية تترك أيضا تأثيرها على الاقتصاد. فوفق تقارير إعلامية باكستانية، فإن سلسلة من الهجمات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية تسببت أيضا في خسارة اقتصادية للبلاد، ناهيك عن فقدان الأرواح. ووفق تقديرات رسمية، فإن البلد عانى مما يعادل 140 مليار دولار من الخسائر المالية والخسائر المتعلقة بالبنية التحتية منذ 2002.
غير أن هناك مع ذلك بعض النقاط المضيئة؛ وباكستان تحقق قفزات مهمة في بعض المجالات. وعلى سبيل المثال، فإن قطاع تكنولوجيا المعلومات يشهد ازدهارا حاليا في البلاد. وبالمثل، يحقق قطاع النسيج أداء جيدا جدا إلى جانب الشركات الصغيرة والمتوسطة. وعليه، من الواضح أن كلا من الهند وباكستان، وعلى الرغم من كل التحديات، حققتا قفزات كبيرة منذ نيلهما الاستقلال قبل 75 عاما.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي