على ضوء ما يمر به العالم حالياً من مشرقه إلى مغربه من توترات كبرى وحروب قائمة بالفعل وأخرى محتملة، فإن الاقتصاد العالمي يمر هو الآخر بأزمات وتشنجات وارهاصات مماثلة من شأنها أن تؤثر سلباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على جميع الدول كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها.
لكن المشهد الاقتصادي في دولة الإمارات العربية المتحدة يبدو للمتمعن فيه عن كثب بأنه مختلف، فهو ومع مرور الوقت يزداد قوة وتماسكاً في مواجهة التحديات الاقتصادية الكونية الجارية. وربما أن ذلك يعود جزئياً إلى التماسك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الداخلي للبلاد والتزام الجميع بالخطط الاقتصادية الاستراتيجية التي تضعها الدولة ويقوم بانتهاجها الجميع وتنفيذها بدقة وصلابة وإتقان، فهذا من شأنه أن يقوي الدمج الاقتصادي الداخلي والخارجي لمكونات الدولة الاتحادية ومواقفها في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
إن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية التي تتسبب في الانكماش الحاد لاقتصادات دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحده الأميركية واليابان ودول شرق وجنوب شرق آسيا بسبب الحرب في أوكرانيا والتوتر القائم بين الولايات المتحدة والصين بسبب تايوان وزيارة رئيس مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لها وتطورات الملف النووي الإيراني بين شد وجذب، تؤدي حالياً إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز بشكل حاد.
لكن هذا الارتفاع هو في حد ذاته مبعث قلق شديد لكل من الدول المنتجة والمستهلكة، فهو يؤدي إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي العالمي وتوقف عجلة الانتاج الصناعي في العديد من الدول المستهلكة ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط والغاز ويتسبب في انخفاض أسعارهما في نهاية المطاف ويؤدي إلى عجوزات ضخمة في ميزانيات الدول المنتجة والمصدرة، إلى جانب تضرر العديد من اقتصادات الدول الصناعية كاليابان وكوريا الجنوبية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، دع عنك جانباً معظم الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية التي ليس بامكانها تسديد فواتير استيرادها لمواد الطاقة بشتى أنواعها.
وفي الأحوال العادية وبناءً على السيناريو الخاص بانخفاض الطلب على النفط والغاز، وبالتالي تدني الأسعار، فإن النتيجة هي تأثر عائدات الدول المصدرة وتوقع في زيادة عجز ميزانياتها لكي يترك آثاراً سلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها، فأين هو موقع دولة الإمارات من ذلك؟ وهل بالإمكان أن يحدث نفس المشهد على اقتصادها؟ الإجابة بالنفي، ذلك لأن الإمارات استفادت كثيراً من تجاربها السابقة مع التقلبات الكبرى في أسعار النفط وقامت بتنويع آليات عمل اقتصادها الوطني ومصادر داخلها. ما يتواجد الآن هو أن القطاعات غير النفطية هي المساهم الأكبر في الميزانيات المحلية والاتحادية، وهذا ينعكس بدوره في نمو مضطرد وثابت للاقتصاد بغض النظر عن ما يحدث من تقلبات في أسواق النفط والغاز.
في الإمارات، ومنذ بداية الألفية الثالثة، يتضاعف الناتج القومي الإجمالي للبلاد بشكل مضطرد ويحقق أرقاماً عالية، إلى جانب أن القطاع النفطي بشقيه النفط والغاز يقوم بأداء دوره المعهود في الاسهام المؤثر في الدخل القومي الإجمالي، لكن دون تأثيرات سلبية حادة في حالة انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية.
ارتفاع أسعار النفط والغاز منذ الربع الأخير من عام 2021 واستمرارها الحالي عند مستويات عالية زادت بشكل كبير من العوائد المالية على البلاد، وسيكون لذلك تأثير كبير على الموازنات العامة في الدولة على الصعيدين المحلي والاتحادي، ما سيؤدي الى زيادة النمو الاقتصادي وزيادة الانفاق على المشاريع العامة الهادفة إلى التنمية الاجتماعية من تعليم وصحة وإسكان ودعم اجتماعي، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى.
إن توفر هذه القدرة المالية، وعلى ضوء تجارب السنوات الماضية على مدى الخمسين عاماً التي مضت من عمر الدولة الاتحادية، من المتوقع القيام بالمزيد من الإجراءات الايجابية على صعيد التقويم والإصلاح الاقتصادي ووضع الخطط الاستراتيجية الكبرى متوسطة وبعيدة المدى لتسريع عمليات النمو الاقتصادي والاجتماعي الهادفة إلى خلق المزيد من الفرص الاستثمارية في البلاد، وبالتالي إلى بناء اقتصادي يضاهي اقتصادات الدول المتقدمة، وبالتالي إلى خلق الدولة الراسخة ذات النجم الساطع في عالم اليوم.

* كاتب إماراتي