توجد مجموعة من المركبات الكيميائية تعرف اختصارا بـ(PFAS)، تعتمد في أساسها على عنصر الفلورين، وتضم بين أنواعها أكثر من 4500 مركب مختلف، وتعرف بالمركبات أو الملوثات الكيميائية الأبدية.

وتعود هذه التسمية إلى حقيقة أنها مقاومة للماء، والزيوت، والصبغات، وللتحلل الطبيعي، وهي صفات جعلتها المادة المفضلة في المئات من المنتجات التي يستخدمها إنسان العصر الحديث بشكل يومي، مثل تغليف الأغذية، وأدوات الطهي التي لا يلتصق بها الطعام، والملابس الواقية من المطر، وشرائط اللصق، ومواد الدهان، ورغوة مكافحة الحرائق، ومساحيق التجميل، وغيرها الكثير.

صفات هذه المركبات الكيميائية الاصطناعية غير الطبيعية، وعدم تعرضها للتحلل لسنوات وعقود، جعلت تركيزها يتزايد باضطراد خلال العقود الأخيرة، لدرجة أنها أصبحت تتواجد حتى في مياه الأمطار التي تسقط على جميع قارات ومناطق العالم، وفي التربة ومياه الشرب، وفي أجسام البشر والحيوانات، بحيث أصبح لا يوجد مكان تقريباً على الكوكب خال منها. ورغم أن تركيزات هذه المواد الكيميائية في مياه الأمطار ليس بالمرتفع، إلا أن التراكم عبر السنوات والعقود، يمكن أن يصل بهذه التركيزات إلى مستويات تتخطى الحدود الآمنة بمراحل، وهو ما أدى إلى تزايد المطالبات بخفض استخدام هذه المركبات الكيميائية، وضرورة البحث عن وتطوير بديل آمن. فبناء على الدراسات والأبحاث العلمية، يمكن لتراكم مستويات مرتفعة من أعضاء هذه المجموعة الكيميائية في الجسم، أن يؤدي إلى مضاعفات صحية متنوعة وخطيرة.

وحسب الوكالة الأميركية لحماية البيئة (Environmental Protection Agency)، تتضمن المخاطر المحتملة التالي: تأثيرات إنجابية مثل انخفاض الخصوبة، ارتفاع ضغط الدم في النساء الحوامل، تعطل وتأخر النمو البدني والعقلي في الأطفال، انخفاض الوزن عند الولادة، البلوغ المبكر، تأثيرات سلبية على العظام، واضطرابات سلوكية. هذا بالإضافة إلى زيادة احتمالات الإصابة ببعض الأمراض السرطانية، مثل سرطان البروستاتا والكليتين والخصيتين، مع تراجع كفاءة وفعالية جهاز المناعة في مقاومة العدوى، والتسبب في اضطرابات في هرمونات الجسم، وارتفاع مستوى الكولستيرول، وزيادة احتمالات الإصابة بالسمنة.

وأمام هذه المخاطر الجمة، بُذلت جهودٌ حثيثةٌ على مدار سنوات للوصول إلى طريقة فعالة، وغير مكلفة، للتخلص من هذه المواد، وهو ربما ما حققه أخيرا علماء جامعة نورثوسترن بالولايات المتحدة. في هذه الطريقة، استخدم العلماء حرارة منخفضة مع مادة كيميائية شائعة (هيدروكسيد الصوديوم) المستخدمة في الصابون، ومسكنات الآلام، وغيرهما من المنتجات.

وإذا تم تطوير هذا الأسلوب ليطبق بحجم صناعي، وبتكلفة منخفضة، فساعتها يمكن الاحتفاء بأن علماء جامعة نورثوسترن حققوا بالفعل ما عجز عنه الآخرون لسنوات، وهو ما من شأنه أن يساعد المجتمعات التي ارتفعت تركيزات هذه الملوثات الأبدية في بيئتها إلى مستويات مضرة.

*كاتب متخصص في الشؤون العلمية.