تتحول المساحات الخضراء الممتدة عميقاً في المشهد أمام عينيك، وتصبح مكسوة باللون الأصفر. وأصبح جفاف الأعشاب هو الحقيقة التي تكسو الواقع في العديد من الأراضي الأوروبية والصينية وبعض المناطق الأخرى حول العالم هذا الصيف. وتتعرض أوروبا لارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة، وينعكس ذلك على مناسيب العديد من الأنهار الأوروبية التي انخفضت إلى مستوى أثار مخاوف المجتمع الأوروبي والعالم من موجة جفاف قد تعرض القارة الأوروبية ومعها العالم لأزمات حادة وعديدة. والمتابع للأحداث سيجد مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف تنتشر الحرائق التي تحدث للغابات حول العالم فتفقد الطبيعة آلاف الكيلومترات المربعة من المساحات الخضراء والتي بالضرورة تؤثر سلباً على البيئة بزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون وتدمير جزء من البيئة الحاضنة للكثير من الحيوانات. كل ذلك في النهاية يؤثر بصورة كبيرة على التوازن البيئي وعلى الملائمة البيئة للمجتمع البشري، لذلك لابد وأن نقف ونتأمل واقعنا الذي وصلنا إليه، وما جنيناه على بيئتنا التي أدت في النهاية إلى حالة تمرد للطبيعة لاستعادة توازنها من جديد.
يتعرض العالم لأزمات حادة نتيجة للتغير المناخي الذي يحدث نتيجة لعلاقة متوترة بين الإنسان والبيئة في محاولة دائبة للإنسان أن يكون هو السيد المطلق للبيئة، وأن تستجيب لرغباته دائماً، فيبني المصانع بكل أنواعها، ويُصرف المخلفات الكيماوية في السماء دخاناً يعبث بتماسك طبقات الغلاف الجوي، ويزيد من ظاهرة البيت الزجاجي فتعاني الأرض من ارتفاع درجات الحرارة والتي تؤثر بشكل كبير على التوازن البيئي، ويصرف المخلفات الكيماوية في الأنهار والمحيطات.. وكل ذلك يؤدي في النهاية إلى تمرد الطبيعة التي تحاول أن تستعيد توازنها، فيأتي التمرد بنتائج عكسية على البشرية، وتحدث تلك التغيرات المناخية التي نرى آثارها أمام أعيننا الآن بصورة كبيرة في أوروبا وغيرها حول العالم.
التغيرات المناخية علمياً هي حتمية طبيعية تحدث بوتيرة بطيئة جداً منذ نشأة الكرة الأرضية، ولكن منذ توسع النشاط الصناعي الإنساني وأصبحت التغيرات المناخية التي تحدث نتيجة لتدخل الإنسان أكثر تسارعاً وتحولها أصبح حاداً.
قرأت منذ عدة أيام كلمة لعالِمة المناخ إيلا جيلبرت من هيئة المسح البريطاني في القطب الجنوبي لإحدى الوكالات الإخبارية العالمية قالت: (إننا بحاجة إلى البحث عن حلول للتكيف مع التغير المناخي وعواقبه)، توقفت كثيراً أمام الجملة البسيطة الصغيرة التي تقول كلاماً كثيراً يعبر عن مستقبل العالم خلال الفترة المقبلة في علاقته مع البيئة والمناخ. 

لابد أن ندرك أن تلك التحولات المناخية وعواقبها ليست بيئية فقط، بل تنعكس على كل جوانب الحياة. فعلى سبيل المثال هي تهدد الأمن الاقتصادي للمجتمعات. فنحن نرى حالياً مع موجة الجفاف بأوروبا، أن حركة الشحن عبر الأنهار تضررت، وما يصحبها من مردود اقتصادي سلبي، وكل تلك الخسائر الناتجة من الأزمات تلحق الضرر بالاستقرار الاقتصادي للعالم، ويهدد ذلك الأمن المجتمعي حول العالم.
نحن في دولة الإمارات نعمل بجد في الكثير من قضايا البيئة، من أجل الحفاظ على البيئة الإماراتية بشتى الطرق الممكنة من خلال القوانين والتوعية والعمل الحكومي والمجتمعي. ولقد لمست ذلك خلال زيارتي لجناح الإمارات في «إكسبو فلورياد 2022» في هولندا لهذا العام، والذي يهتم بالبيئة والمناخ. وسعدتُ جداً بجهود الدولة، ولكن لابد أن نعي أننا لسنا بمعزل عن العالم، وقضية المناخ لا يمكن أن تكون مجرد قضية محلية ولا حتى إقليمية، بل هي قضية بشرية جامعة. والانعكاسات السلبية أو الإيجابية للتغيرات المناخية ستنعكس على كل العالم، وليس على دولة بعينيها، ولذلك تظل قضية المناخ، وحماية العالم من التغيرات المناخية التي تزداد حدتها في الفترة الأخيرة، قضية إنسانية جوهرية تحتاج لتوافق عالمي من أجل حماية مستقبل الإنسان على الأرض.

*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي