تبدو منطقة جنوب آسيا في مواجهة بعض المشاكل الاقتصادية. فبينما يزيد الاقتصاد الهندي سرعته باعتباره واحداً من أسرع اقتصادات العالم نمواً، يجد بعض جيران الهند صعوبة في مواجهة الضربة الناجمة عن جائحة كوفيد- 19 وحرب أوكرانيا، إضافة إلى المشاكل البنيوية المتأصلة في اقتصاداتها. إذ تتخبط سريلانكا وباكستان في أزمة اقتصادية، بينما تواجه بنجلاديش بعض القلق الاقتصادي أيضاً، وإن لم تكن في وضع سيئ مماثل لوضع سريلانكا. بل إن حتى مملكة بوتان الصغيرة باتت تعاني من مستوى من الضغط الاقتصادي الذي يمكن أن يتفاقم خلال الأشهر المقبلة.
بالنسبة لبلدان جنوب آسيا، يُعد هذا الأمر انتكاسة كبيرة تنسف سنوات من المكاسب الاقتصادية التي أخرجت مئات الآلاف من الأشخاص من دائرة الفقر. كل البلدان تواجه بدرجات مختلفة انخفاض احتياطياتها من النقد الأجنبي. وبالطبع تظل أعمق مشكلة هي تلك التي تعصف بسريلانكا، حيث انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 1.82 مليار دولار فقط في شهر يوليو. ونتيجة لذلك، اضطرت سريلانكا إلى تعليق تسديد حوالي 12 مليار دولار من دينها الأجنبي في وقت بلغ فيه التضخم 55 في المئة في شهر يونيو، مع تحذيرات من إمكانية أن يرتفع إلى 70 في المئة خلال الأشهر المقبلة.
الأزمة تُعزى إلى خليط من الأسباب، كالاضطرابات الناتجة عن جائحة كوفيد- 19، والتي أثرت على قطاع السياحة المدر للدخل في البلاد)، وسوء الإدارة الاقتصادية، وسياسة التحول المباغت إلى الزراعة العضوية، ما أدى إلى انهيار الإنتاجية الزراعية، الأمر الذي أثّر سلباً على الأمن الغذائي للبلاد. ومن المتوقع أن تستأنف سريلانكا المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على حزمة إنقاذ مالي. وكانت المفاوضات قد قُطعت عقب الاضطرابات السياسية بعد أن أُرغم الرئيس السابق غوتابايا راجاباكسا على مغادرة البلاد وسط احتجاجات واسعة.
وبالمثل، تواجه باكستان أيضاً أزمة اقتصادية؛ إذ بلغ التضخم 42.3 في المئة الأسبوع الماضي. وبالمثل، تجد بنجلاديش نفسها اليوم تحت بعض الضغط، بعد أن كانت تمثّل ذات يوم البلد الواعد المفعم بالطاقة والحيوية في جنوب آسيا وكانت محل احتفاء وإشادة كبيرين لإنجازاتها الاقتصادية. البلد، الذي كان ينمو بما يصل إلى 8 في المئة قبل مجيء وباء كوفيد- 19، بات الآن يشعر بتداعيات الوباء وحرب أوكرانيا. وهو يسعى أيضاً للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي. كما يسعى للحصول على قرض بقيمة 4.5 مليار دولار، مصحوبة بتدابير اقتصادية تقشفية من أجل تقليص إنفاق النقد الأجنبي. ويسعى للحصول على قرض بمليار دولار من البنك الدولي، و2.5 إلى 3 مليارات دولار من مؤسسات مالية دولية أخرى ودول مانحة مثل اليابان.
وعلى غرار ما يحدث في بلدان أخرى من جنوب آسيا، فإن المعاناة الاقتصادية تفاقمت أيضاً في بنجلاديش بسبب ارتفاع أسعار النفط والغذاء، مما أدى إلى الانخفاض في احتياطيات النقد الأجنبي. كما تقلصت صادرات مواد مثل الأقمشة بشكل كبير، عقب تدني طلب المستهلكين في البلدان الغربية، إضافة إلى الأجزاء الأخرى من آسيا. والتحويلات المالية للبنجلاديشيين العاملين في الخارج انخفضت أيضاً؛ إذ انخفض حجم التحويلات المالية، التي بلغت قبل الوباء 24.77 مليار دولار، الآن إلى 21 مليار دولار.
ومن الواضح أن الأزمة لن تُحل قريباً، ولا سيما مع تأثر نقاط الضعف البنيوية في الاقتصاد بكل الظروف العالمية غير المساعدة. بل إن حتى بلداً صغيراً مثل بوتان بدأ يشعر بوخز المشاكل العالمية؛ إذ قررت البلاد حظر استيراد كل المركبات ما عدا مركبات الخدمة، عقب تقلص احتياطيات النقد الأجنبي. ووفق بيانات من «الهيئة النقدية الملكية»، فإن احتياطيات النقد الأجنبي تقلصت إلى 970 مليون دولار في نهاية ديسمبر مقارنة مع 1.46 مليار دولار في أبريل 2021. ووفق تقارير، فإن البلاد تمتلك احتياطيات أجنبية كافية لتلبية استيراد السلع الأساسية لـ14 شهراً. والجدير بالذكر هنا أن دستور بوتان يقول إن احتياطيات البلاد ينبغي أن تكون كافية لفترة 12 شهراً من الواردات على الأقل. وعلى غرار سريلانكا، تعتمد بوتان على السياحة كثيراً في توفير النقد الأجنبي. ونظراً لاضطراب السفر جراء الوباء، تقلّص النقد الأجنبي الذي كان يتدفق من السياح.
ومما لا شك فيه أن الأمور لن تتحسن على المدى القريب بالنسبة لهذه البلدان. ولئن كانت هناك بعض المؤشرات على تراجع تضخم الغذاء مع استئناف أوكرانيا تصدير حبوبها، إلا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن تصبح هذه البلدان الجنوب آسيوية خارج دائرة الخطر وعلى طريق التعافي الاقتصادي.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي