أعلنت الحكومة المصرية أنها «في المراحل النهائية للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي لتمويل تنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل». وهو تسهيل ائتماني لا يقل عن 5 مليارات دولار، وهذه المرحلة هي الثالثة، وسبقها المرحلة الأولى عام 2016 بقرض12 مليار دولار، في إطار تنفيذ سلسلة إصلاحات مالية واقتصادية، وتلتها المرحلة الثانية في عام2020 بقرضين، الأول قيمته 2.8 مليار دولار، في إطار أداة التمويل السريع لدعم مكافحة جائحة«كوفيد-19»، والثاني 5.2 مليار دولار، بموجب اتفاق ائتماني. ومع توقيع اتفاق القرض الجديد المرتقب في سبتمبر المقبل، يكون مجموع القروض خلال فترة 6 سنوات (2016– 2022) نحو25 مليار دولار. 
وكانت مطالب الصندوق تتمحور حول إلغاء الدعم على المواد الغذائية، وتحرير سعر صرف الجنيه، وقد واجه صعوبة في إقناع محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر، بهذين المطلبين، خصوصا أن تحرير سعر الصرف سيؤدي إلى تخفيض سعر الجنيه إلى مستوى 25 جنيها للدولار الأميركي، وإلى تآكل مدخرات المودعين في البنوك المحلية، ورفع الأسعار. ومع استمرار المفاوضات، توصل الجانبان إلى تفاهم، حول إلغاء الدعم بشكل تدريجي، والإبقاء على دعم الخبز، وأن تقدم الدولة دعماً نقدياً إلى حوالي 4 ملايين أسرة، من خلال برنامج «تكافل وكرامة». أما بالنسبة لتحرير سعر الصرف، فقد اتجه التفاهم نحو اعتماد الخفض التدريجي، على أساس «نظام التعويم المدار». 
واللافت في هذا المجال أن ديون مصر الخارجية قفزت خلال السنوات الخمس الماضية نحو 63 مليار دولار، (من 82 مليارا نهاية 2017 إلى145 مليار دولار في ديسمبر2021). ولوحظ أن الموازنة العامة للسنة المالية 2022–2023، مثقلة بالديون وفوائدها التي تقدر بنحو 37.19 مليار دولار. لكن ما يخفف من المخاطر، أن 90%من الديون الخارجية لمصر طويلة الأجل ويمكن تسديدها في فترات زمنية متباعدة. 
ولعل أهم الصعوبات التي تواجهها مصر حاليا، مثلها مثل بلدان الأسواق الصاعدة، تتمثل في الآثار السلبية لتداعيات قرار الإحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 2.5%. ونتيجة لذلك، سحب المستثمرون الأجانب أموالاً من تلك الأسواق ومن بينها مصر التي خرج منها نحو26 مليار دولار، وساهم ذلك في تراجع احتياطي النقد الأجنبي من41 مليار إلى 33 مليار دولار، وزادت «الفجوة الدولارية»، التي تعني الفارق بين حصيلة الدولة من النقد الأجنبي الوارد وبين ما تحتاجه لسداد فاتورة الاستيراد والمستحقات وأقساط الديون الخارجية وفوائدها. وتدرس الحكومة حالياً الطرق والوسائل التي يجب أن تتخذها للتقليل من مخاطر«الفجوة الدولارية». 
ومن هنا يمكن التركيز على ثلاثة بنود رئيسية من أهم أهداف موازنة الدولة: أولاً، الحفاظ على التوازن المالي، وتخفيض الدين الإجمالي من 85% من الناتج المحلي الإجمالي حالياً إلى أقل من 75% في يونيو 2026. ثانياً، تعظيم العائد من إدارة أصول الدولة. ثالثاً، الاستمرار في سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات، لضمان كفاءة تخصيص الموارد، وهو ركن من أركان السياسات «النيوليبرالية» ومضمونه أن الأسعار يجب أن تعكس القيمة الحقيقية للسلعة، إضافة إلى توفير الحوافز لجذب المستثمرين الأجانب وخصوصاً العرب والخليجيين. مع الإشارة إلى أن الدولة ستتخارج من 79مجالا، وستبيع وتخصص ما قيمته 40 مليار دولار من أملاكها، خلال 4 سنوات قادمة. علما أن تحقيق ذلك يلتقي مع مطالب صندوق النقد.
* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية